والآخر : أن النصب على التقدير كونها استفهامية (١) والجر على تقدير كونها خبرية ولا يخفى أن هذا الوجه (٢) مبني على اعتبار جواز حذف مميزها وهو غير مذكور فما سبق فكان الأليق تأخير هذا عن قوله (وقد يحذف في مثل ، كم مالك؟).
وأما على النسخة الأخرى فلا يحتمل إلا الوجه الأخير.
والبيت للفرزدق يهجو جرير وتمامه :
فدعاء (٣) قد حلبت (٤) عليّ عشاري (٥)
الفدعاء : المعوجة الرسغ من اليد أو الرجل ، فتكون منقلبة الكف أو القدم.
بمعنى أنها لكثرة الخدمة صارت كذلك أو هذه خلقة لها ، ونسبها إلى سوء الخلقة.
وإنما عدّى (حلبت) ب : (على) لتضمنه معنى (ثقلت) أي : كنت كارها لخدمتها مستنكفا منها فخدمتني على كره مني.
واختار (٦) من أنواع خدمتها الحلب ؛ لأنه خدمة المواشي. وهي أبلغ في الذم من خدمة الأناسي.
__________________
(١) ولم يرد معنى الاستفهام ولكنه على سبيل التهكم فكان متحقق ولكنه كم خبرية على التحقيق أي : كثير من عماتك وخالاتك يا جرير قد حلب على عشارى. (عوض أفندي).
(٢) وهو اعتبار الأوجه الثلاثة في نفس التمييز دون كم.
(٣) الفدعاء تأنيث الأفدع وهي المرأة التي اعوجت أصابعها من كثرة الحلب. (حلبي).
ـ الفدع محركة اعوجاج الرسغ من اليد والرجل حتى ينقلب الكف أو القدم إلى أليتها. (قاموس).
ـ على وزن حمراء مؤنث الأفدع.
(٤) وضمير حلبت راجع إلى كم حملا على لفظه وإن اقتضى المعنى ضمير التثنية. (معرب).
(٥) والعشار بكسر العين جمع عشراء وهي التي أتى على حملها عشرة أشهر.
ـ قوله : (عشاري) بكسر العين والراء مضافا إلى ياء المتكلم جمع عشراء يضم العين وفتح الشين المعجمة على وزن علماء وهي الناقة التي أتى عليها من يوم نزا عليها الفحل عشرة أشهر ثم لا يزال ذلك اسمها حتى تضع. (حلبي).
(٦) قوله : (في واختار) ينافى قوله : على كرمني والظاهر وذكر من أنواع إلخ في الهندي ؛ لأنه أبلغ فيما قصده وقوله : من خدمة الأناس كذا في بعض النسخ وهو لغة في الناس الأناسي جمع ـ