كما فعل هو ومن ثم يفترض أن هذا الضابط في وسعه تحمل مثل هذه المعاملة ، وإنه إذا كان عبيده خدمنا ، فإنهم سيلقون عقابا صارما نتيجة تقصيرهم. وهنا عبّر عن شدة دهشته لكل هذا الذي تظاهر بأنه يسمعه أول وهلة ، وقال إنه كان يؤدي فرض الصلاة وإن الأمل يراوده في ألّا أفكر ثانية بالمسألة. ثم استأذن بالانصراف بعد ذلك مقسما على أن ينتقم من خدمه ـ وهذا ادعاء زائف كله ـ إذ كان هؤلاء أنفسهم يقفون من حوله. لكن من الإنصاف القول إن مثل هذا التصرف ليس شائعا على أي حال ، إلا إذا كان الشيخ عديم الشأن والأهمية ، كما هو الأمر في مثل هذه الحالة ، ويحاول إضفاء الهيبة على نفسه أمام عيون أتباعه فيترك الأشخاص ، مهما كان موقعهم ، ينتظرونه طويلا عند زيارتهم له (١).
تشكل أشجار النخيل على امتداد هذا الساحل بستانا واحدا مستمرا حتى (خور فكان) ، وهي مسافة تقدر بمائة وخمسين ميل ، ويقول العرب إن المسافر قد يسير على امتداد هذه المسافة كلها دون أن يفقد الظلال. وتشكل التمور صادرات عمان الرئيسية ، وتصدر كميات كبيرة جدا إلى الهند حيث يستخدم القسم الأعظم منها في صنع العرق الحكومي. ويهوى أبناء الطبقة الوسطى من السكان المسلمين والهندوس التمور إلى درجة كبيرة ، حيث تستورد أفضل أنواعها من البصرة والبحرين ، أما التمور العمانية فتأتي في المرتبة الثانية. وثمة طرق عديدة لحفظ التمور ، فالبعض يتم تجفيفه ببساطة وينظم في خطوط. أما الطريقة الأخرى فتتمثل في حفظه داخل سلال. وعلى الرغم من أعداد النخيل الهائلة ، إلا أن لكل نخلة مالك خاص بها ، ونتيجة لذلك ، فإن الخلافات بين أقرباء أحد المتوفين المالكين للنخلة شائعة إن لم يحرر المتوفى وصية يحدد بها من يرث نخلته. ومع اقتراب وقت الظهيرة ، غادرنا مخيمنا ، وواصلنا رحلتنا على امتداد الساحل ، ونحن نمر بالقرى والمدن الصغيرة. ويبدو أن المكان يكثر فيه الحطب ، الذي يجمع على شكل حزمة كبيرة توضع على امتداد الشاطئ حتى تتمكن القوارب المارة من الرسو لشرائه وتحميله على الفور. وفي تلك البقعة مررنا بهيكل عظمي لأحد الحيتان وبعدد كبير من جذور الأشجار والأخشاب
__________________
(*) يتضح للقارئ من هذه الحادثة غطرسة وصلف المؤلف وجهله بأن طبيعة العلاقة بين السلطان في مسقط وشيوخ القبائل ليست علاقة سيد بعبيده وبالتالي على الرحالة الأجنبي أن يقيم جسور علاقة ودية مع هؤلاء الشيوخ وأن يتحلى بالصبر والحكمة لكن أنّى لشاب مغامر وجريء أن يتصف بهذه الصفات في أوقات المحن والشدائد.