عند ما وصلت قوتنا تقريبا إلى الحصن ، التقاهم العرب في السهل الواسع. لم يكن عددهم يتجاوز ثما نمائة رجل وكانت نساؤهم قد التحقن بهم وهجموا هجوما قويا كما هو شأنهم في السابق إلا أن الحرب كانت في انتظارهم. إلا أنهم رغم ذلك قاتلوا قتالا عنيدا وشجاعا ولم يتوقفوا عن القتال إلا بعد أن لقي غالبيتهم مصرعهم أو جرحوا جرحا بليغا (١) وكان من بين الذين جرحوا شيخهم الذي اقتيد أسيرا إلى (بومباي) مع بعض الناجين الآخرين. وبعد سجنهم هناك مدة سنتين تقريبا أطلق سراحهم ولقوا الكثير من الاهتمام ، حيث أرسلوا إلى بلادهم محملين بالهدايا والمال لإعادة بناء بلدتهم. ولكن منذ تلك الهزيمة لم يدخل أي أوروبي أراضيهم.
بعد أن لاحظت شمس الظهيرة ، وصلت بعد ساعتين إلى مضارب (بني بو علي). فلحق بي جمع غفير حتى توقفت وعندئذ انضم إليّ شيخ شاب مع وجهاء القبيلة. وما أن أخبرتهم بأنني إنكليزي وعبرت عن رغبتي في قضاء بضعة أيام وإياهم حتى ساد الفرح أرجاء المخيم. وأطلقت المدافع القليلة نيرانها من مختلف الأبراج ومعها نيران البنادق حتى غروب الشمس. وحاول كل فرد بمن فيهم الشباب والشيوخ والنساء والرجال بذل كل في وسعه لإثارة متعتي. فنصبوا خيمتي وذبحوا الخراف واحضروا جالونات من الحليب. إن استقبالا وضيافة بمثل هذه الحرارة أثارا دهشتي كثيرا.
كانت أمامنا تقبع أثار الحصن الذي دمرناه. ونصبت خيمتي في نفس المكان الذي قضينا فيه تقريبا على القبيلة التي باتت في حالة بائسة بعد أن كانت أقوى قبائل (عمان). لقد طويت صفحة الماضي بعد أن أظهرت ثقتي بهم ورميت بنفسي في أحضانهم. ظل بدو هذه المنطقة والمناطق المجاورة لا يختلطون بأي من الغرباء على الرغم من قربهم من ساحل البحر فلم يتزاوجوا أو يختلطوا بهم. لهذا ثمة سبب يدعو إلى الاعتقاد بأنهم كانوا يحتفظون ببساطة القبائل التي تسكن في الداخل ونقائها على نحو بالغ.
ومما يؤسف له أننا لا نعرف إلا القدر اليسير عن طبيعة البدو الحقيقيين وعاداتهم. فالبدو
__________________
(١) في مارس / آذار ١٨٢١ ، المجلة الآسيوية ، المجلد ١٢ ، ص ٣٦٤.