ساروا به إلى خيمة كانوا قد ضربوها على شط النيل. وكان قد اجتمع جمع غفير من أهل مصر للفرجة على ذلك الموسم.
ولبث السلطان هناك إلى أن دنت ساعة فيضان النيل ، فارتفع ماؤه إلى القياس المعيّن له. وهذا القياس عامود من رخام منصوب في مكان من النهر ينحصر الماء فيه. وهو مفصّل على اثنين وعشرين ذراعا ، وكل ذراع منقسم على ٢٤ قسمة متساوية تعرف بالأصابع. فإذا استوى الماء ١٩ ذراعا في الفيض كان غاية ما تمنّوه من طيب العام وخصب الأرض وجودة الغلال. وتارة يرتفع الماء أكثر من ١٩ ذراعا ، وربّما هذا أضرّ بالأراضي ، وسبّب فيها الطوفان. وآونة لا يرتفع إلى ١٩ ذراعا. والمتوسّط عندهم ما استوى إلى ١٧ ذراعا ، وهو أحسن مما زاد عليه.
أمّا مخرج هذا النهر فقد عني السيّاح كثيرا بالإطلاع عليه : منهم السايح ليفينكستن الإنكليزي ، واستانلي الأمريكاني وغيرهما. وزعموا أنهم وجدوا أصل مخرجه.
غير أنه من المعلوم أن ينابيع مياهه إلى جنوبي بلاد دارفور ، ويصبّ فيه أنهر ونهيرات من بلاد الحبش. وقبل دخوله إلى مصر تعترض جريانه صخور ، فيحدث نوع من الشلالات ، وتسمى جنادل النيل : الأول منها في بلاد دنكلة من النوبة ، والثاني في بلاد النوبة الداخلة في حكم مصر وهو أقوى الثلاثة ، والثالث عند دخول النيل إلى مصر بقرب أسوان. ومن أسوان إلى القاهرة يجري بين جبلين شرقيهما ممتدّ إلى البحر الأحمر ، وغربيهما ينتهي إلى الصحراء الكبيرة.
والوادي الحادث بين هاتين السلسلتين ينفرج إلى جهة الشمال وأراضيه مروية بماء النيل عند فيضه. وعند ما ينتهي النيل إلى مكان يقال له (بطن البقرة) ينقسم إلى شطرين : أحدهما