وكان وليّ العهد يمد ذراعيه الأبوية إلى أصغرهم ويرفعه عن الأرض ويقرّبه إلى فمه ليطبع على شفتيه العذبتين قبلة الحب الأبوي. فتحركت حينئذ شعائر الحنو في صميم فؤادي وكادت الدموع تطفح من عيني حنوّا. فقلت في قلبي : " اللهمّ بارك هذه العائلة السعيدة ، واحفظ بيمينك العزيزة هؤلاء الأنجال المحروسين".
وتضاعف سروري لما جلس هؤلاء الحور إلى جانبي واحدا بعد الآخر بلطف وأنس وثقة تعهد في الأطفال الأبرياء. ولم يستغربوا منظر رجل أعرابي مكتس بملابس عربية لم يشاهدوها عمرهم بطوله قبل ذلك الوقت ، وكانت الحشمة والكمال قد ضاعفت محاسنهم ، وزيّنت أشخاصهم.
وبعد أن تمليّت من مشاهدتهم سألني ولي العهد ما الذي سرّني بلندن أكثر. قلت في جوابي له : قد سررت غاية السرور بكل ما رأيته في مملكة جلالة الملكة. ولكن منظر أنجالك الأمراء المحروسين قد زادني سرورا لم أشعر به قبلا (١) عمري بطوله. فتبسم وليّ العهد تبسما حلوا وقال : " هذا من فرط لطفك وحبك أيها السيد الكريم". وقلت : " كلا أيها الأمير ، وإنما قولي هذا قول جدّ. وقد انطبعت في مرآة عقلي صورة ما رأيته من منزلك العامر من السعادة ولطف أنجالك المحروسين ، ولا تزول هذه الصورة المحبوبة من عقلي".
ثم قال : " ولمّا رأيت بعضا من أنجالك مرتدين بملابس على زيّ ملابس البحرية خطر ببالي أنّ مجد الدولة البريطانية وعزّها وفخرها قائم في حبّها قوّة الجنديّة البحريّة حتى جعلت أنجال ملوكها يتوشّحون بملابس البحرييّن. والآن أنا ألتمس من الحقّ ـ سبحانه وتعالى ـ أن يؤيّد هذه الدّولة ، ويطيل عمر جلالة الملكة والدتك الفخيمة ، ويحفظك عزّا لأنجالك هؤلاء المحبوبين ، ويضاعف فرحك بهم ، ويجعلهم فخرا لك وللدولة البريطانية".
__________________
(١) ب : إبان