البحر قال : وكثيرا ما يوجد في نهر النيل التماسيح ، وإقبال النيل من أرض الحبشة ليس يختلف فيه أحد ، وعدّة أمياله من مخرجه المعروف إلى موقفه مائة ألف وتسعون ألفا وتسعمائة وثلاثون ميلا.
وماء النيل عكر مرمل عذب وفيّ ، انتهى. والنيل إذا وصل إلى الجنادل كان عند انتهاء مراكب النوبة انحدار أو مراكب الصعيد إقلاعا. وهناك حجارة مضرسة لا مرور للمراكب عليها إلا في أيام زيادة النيل. ثم يأخذ على الشمال فيكون على شرقيه أسوان من الصعيد الأعلى ، ويمرّ بين جبلين يكتنفان أعمال مصر أحدهما شرقيّ والآخر غربي ، حتى يأتي مدينة فسطاط مصر ، فتكون في بره الشرقيّ. فإذا تجاوز فسطاط مصر بمسافة يوم صار فرقتين : فرقة تمرّ حتى تصب في بحر الروم عند دمياط ، وتسمى هذه الفرقة : بحر الشرق ، والفرقة الأخرى هي : عمود النيل ومعظمه يقال لها : بحر الغرب تمرّ حتى تصب في بحر الروم أيضا عند رشيد ، وكانت مدينة كبيرة في قديم الزمان.
ويقال : إن مسافة النيل من منبعه إلى أن يصب في البحر عند رشيد سبعمائة وثمانية وأربعون فرسخا. وأنه يجري في الخراب أربعة أشهر ، وفي بلاد السودان شهرين ، وفي بلاد الإسلام مسافة شهر.
وذهب بعضهم إلى أن زيادة ماء النيل إنما تكون بسبب المدّ الذي يكون في البحر فإذا فاض ماؤه تراجع النيل ، وفاض على الأراضي ووضع في ذلك كتابا حاصله : إن حركة البحر التي يقال لها المدّ والجزر ، توجد في كل يوم وليلة مرّتين ، وفي كل شهر قمريّ مرّتين ، وفي كل سنة مرّتين. فالمدّ والجزر اليوميّ تابع لقرص القمر ، ويخرج الشعاع عنه من جنبتي جرم الماء.
فإذا كان القمر وسط السماء كان البحر في غاية المدّ ، وكذا إذا كان القمر في وتد الأرض فإذا بزغ القمر طالعا من الشرق أو غرب كان الجزر. والمدّ الشهري يكون عند استقبال القمر للشمس في نصف الشهر ، ويقال له : الامتلاء أيضا عند الاجتماع ، ويقال له : السرار. والجزر يكون أيضا في وقتين عند تربيع القمر للشمس في سابع الشهر ، وفي ثاني عشريه.
والمدّ السنوي يكون أيضا في وقتين : أحدهما عند حلول الشمس آخر برج السنبلة ، والآخر عند حلول الشمس بآخر برج الحوت ، فإن اتفق أن يكون ذلك في وقت الامتلاء أو الاجتماع ، فإنه حينئذ يجتمع الامتلاءان الشهريّ والسنويّ ، ويكون عند ذلك البحر في غاية الفيض لا سيما إن وقع الاجتماع أو الامتلاء في وسط السماء ، ووقع مع النيرين أو مع أحدهما أحد الكواكب السيارة فإنه يعظم الفيض. فإن وقع كوكب فصاعدا مع أحد النيرين ، تزايد عظم الفيض ، وكانت زيادة النيل تلك السنة عظيمة جدا ، وزاد أيضا نهر مهران. فإن كان الاجتماع أو الامتلاء زائلا عن وسط السماء ، وليس مع أحد النيرين كوكب فإن النيل ونهر مهران لا يبلغان غاية زيادتهما لعدم الأنوار التي تثير المياه.