الجهات فإنه فوق ، والهواء فوق الأرض يحيط بها ويجذبها من سائر الجهات ، وفوق الهواء الأفلاك المذكورة فيما تقدّم واحدا فوق آخر إلى الفلك التاسع الذي هو أعلى الأفلاك ، ونهاية المخلوقات بأسرها ، وقد اختلف فيما وراء ذلك فقيل : خلا.
وقيل : ملاء ، وقيل : لا خلاء ولا ملاء وكل موضع يقف فيه الإنسان من سطح الأرض فإنّ رأسه أبدا يكون مما يلي السماء إلى فوق ، ورجلاه أبدا تكون أسفل مما يلي مركز الأرض ، وهو دائما يرى من السماء : نصفها ويستر عنه النصف الآخر حدبة الأرض ، وكلما انتقل من موضع إلى آخر ظهر له من السماء بقدر ما خفي عنه.
والأرض غامرة بالماء كعنبة طافية فوق الماء قد انحسر عنها نحو النصف ، وانغمر النصف الآخر في الأرض ، وصار المنكشف من الأرض نصفين ، كأنما قسم بخط مسامت لخط معدّل النهار يمرّ تحت دائرته ، وجميع البلاد التي على هذا الخط ، لا عرض لها البتة ، والقطبان غير مرتبين فيها ، ويكونان هناك على دائرة الأفق من الجانبين.
وكلما بعد موضع بلد عن هذا الخط إلى ناحية الشمال قدر درجة ارتفع القطب الشماليّ الذي هو : الجدي على أهل ذلك البلد درجة ، وانخفض القطب الجنوبيّ الذي هو : سهيل درجة ، وهكذا ما زاد ويكون الأمر فيما بعد من البلاد الواقعة في ناحية الجنوب كذلك من ارتفاع القطب الجنوبيّ ، وانحطاط القطب الشماليّ ، وبهذا عرف عرض البلدان ، وصار عرض البلد عبارة عن ميل دائرة معدّل النهار عن سمت رؤوس أهله ، وارتفاع القطب عليهم ، وهو أيضا بعد ما بين سمت رؤوس أهل ذلك البلد ، وسمت رؤوس أهل بلد لا عرض له ، فأمّا ما انكشف من الأرض مما يلي الجنوب من خط الاستواء ، فإنه خراب ، والنصف الآخر الذي يلي الشمال من خط الاستواء ، فهو الربع العامر ، وهو المسكون من الأرض ، وخط الاستواء لا وجود له في الخارج ، وإنما هو فرض بوهمنا أنه خط ابتداؤه من المشرق إلى المغرب تحت مدار رأس الحمل ، وسمي بذلك من أجل أنّ النهار ، والليل هناك أبدا سواء لا يزيد ولا ينقص أحدهما عن الآخر شيئا البتة في سائر أوقات السنة كلها ، ونقطتا هذا الخط ملازمتان للأفق إحداهما على مدار سهيل في ناحية الجنوب ، والأخرى مما يلي الجدي في ناحية الشمال.
والعمارة من المشرق إلى المغرب مائة وثمانون درجة من الجنوب إلى الشمال من خط أريس إلى بنات نعش : ثمان وأربعون درجة ، وهو مقدار ميل الشمس مرّتين ، وخلف خط أريس ، وهو مقدار : ستة عشر درجة ، وجملة معمور الأرض نحو من : سبعين درجة لاعتدال مسير الشمس في هذا الوسط ، ومرورها على ما وراء الحمل والميزان مرّتين في السنة ، وأما الشمال والجنوب ، فالشمس لا تحاذيهما إلّا مرّة واحدة ، ولأنّ أوج الشمس مرّتين في جهة الشمال ، كانت العمارة فيه لارتفاعها وانتفاء ضرر قربها عن ساكنيه ، ولأن