وذكر بعض مؤرخي مصر : أنّ هذا الصنم الأخضر الذي وجدت الرمّة فيه لم يزل معلقا عند دار الملك بمدينة مصر إلى سنة إحدى عشرة وستمائة من سني الهجرة.
وكان عند مدينة فرعون ، هرمان ، وعند ميدوم ، هرم ، وهذا آخرها.
وفي سنة تسع وسبعين وخمسمائة من سني الهجرة ظهر بتربة بوصير من ناحية الجيزة بيت هرميس ، ففتحه القاضي ابن الشهرزوري وأخذ منه أشياء من جملتها كباش ، وقرود وضفادع من حجر بازهر ، وقوارير من دهنج ، وأصنام من نحاس.
وقال ابن خرداذبه : من عجيب البنيان أن الهرمين بمصر ، سمك كل واحد منهما أربعمائة ذراع ، وكلما ارتفع دق ، وهما من رخام ومرمر ، والطول أربعمائة ذراع في عرض أربعمائة ذراع مكتوب عليهما : باليد كل سحر وكل عجيب من الطب ، ومكتوب عليهما : إني بنيتهما فمن يدّعي قوّة في ملكه فليهدمهما فإنّ الهدم أيسر من البناء فاعتبر ذلك ، فإذا خراج الدنيا لا يفي بهدمهما.
وقال في كتاب عجائب البنيان عن الأهرام : قد انفردت مصر بهذه الأشكال ، فليس لها بغيرها تمثال يظنهما الناظر للديار المصرية نهدين ، ويحسبهما القابل أن مكارم أهلها قد أعدّتهما للتكرّم ابلوجين تراهما العين على بعد المسافة ، وإذا حدثت عن عجائبهما يظنّ أنه حديث خرافة ، وقد أكثر الناس في ذكر الأهرام ، ووصفها ومساحتها وهي كثيرة العدد جدّا ، وكلّها ببرّ الجيزة على سمت مصر القديمة تمتدّ نحوا من مسافة ثلاثة أيام ، وفي بوصير منها شيء كثير ، وبعضها كبار ، وبعضها صغار ، وبعضها طين ، وبعضها لبن ، وأكثرها حجر ، وبعضها مدرج وأكثرها مخروط أملس.
وقد كان منها بالجيزة : عدد كثير كلها صغار هدمت في زمن السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب على يد الطواشي : بهاء الدين قراقوش ، أخذ حجارتها وبنى بها القناطر في الجيزة ، وقد بقي من هذه الأهرام المهدومة تلّها.
وأمّا الأهرام المتحدّث عنها فهي : ثلاثة أهرام موضوعة على خط مستقيم بالجيزة قبالة الفسطاط ، وبينها مسافات كثيرة وزوايا متقابلة نحو الشرق ، واثنان عظيمان جدّا في قدر واحد ، وهما متقاربان ومبنيان بالحجارة البيض ، وأما الثالث : فصغير عنهما نحو الربع لكنه مبنيّ بحجارة الصوّان الأحمر المنقط الشديد القوّة والصلابة ، ولا يكاد يؤثر فيه الحديد إلا في الزمان الطويل ، وتجده صغيرا بالقياس إلى ذينك فإذا أتيت إليه وأفردته بالنظر هالك مرآه وحيّر النظر في تأمله!.
وقد سلك في بناء الأهرام ، طريق عجيب من الشكل والإتقان ، ولذلك صبرت على ممرّ الأيام لا بل على ممرّها صبر الزمان ، فإنك إذا تأملتها وجدت الأذهان الشريفة قد