عقابان من نحاس أحدهما ذكر ، والآخر أنثى ، فإذا كان أوّل الشهر الذي يزيد فيه النيل فتح هذا البيت وجمع الكهان فيه بين يديه ، وزمزم الكهان بكلامهم حتى يصفر أحد العقابين ، فإن صفر الذكر ، كان الماء تاما ، وإن صفرت الأنثى ، كان الماء ناقصا ، فيستعدّون عند ذلك لغلاء الأسعار بما يصلحون به شأنهم ، وهو الذي بنى القنطرة ببلاد النوبة على النيل ، ولما مات جعل في ناوس ، ومعه كنوزه وعمل عليه طلسم.
وملك بعده ابنه ، هو صال ، ويقال : يوصال ، ومعناه : خادم الزهرة ، ويقال : سومال بن لوجيم الملك النقراوشي من بني نقراوش الجبار ، ويقال : إن نوحا عليهالسلام ولد في أيامه ، وكان فاضلا كاهنا عالما بالسحر ، والطلسمات ، فعمل عجائب ، منها أنه بنى مدينة عمل في وسطها صنما للشمس يدور بدورانها ، ويبيت مغربا ويصبح مشرقا ، وعمل سربا تحت النيل ، فشق الأرض وخرج منه متنكرا ، حتى بلغ مدينة بابل ، وكشف أعمال الملوك ، وكان نوح عليهالسلام في زمانه وولد له عشرون ولدا ، فجعل مع كل ولد منهم : قطرا ، وهو رأس الكهنة ، وأقام في الملك مائة وسبع عشرة سنة ، ثم لزم الهياكل وأقام أولاده على حالهم كل منهم في قسمه الذي أعطاه إياه أبوه مدّة سبع سنين.
ثم اجتمعوا على واحد منهم وملكوه عليهم وكان اسمه تدرشان ، وقيل : تدرسان ، فلما ملك نفى جميع إخوته إلى المدائن الداخلة في الغرب ، واقتصر على امرأة من بنات عمه ، وكانت ساحرة ، وعمل له قصرا من خشب منقوشا فيه صورة الكواكب ، وبسطه بأحسن الفرش وحمله على الماء ، وصار يجلس فيه ، فبينما هو فيه ذات يوم إذ هبت ريح شديدة اضطرب منها الماء ، فانقلب القصر وتكسر فغرق ، هو ومن كان معه في القصر.
وملك بعده أخوه ، نمرود الجبار ، ويقال : شمرود بن هوصال ، فأحسن السيرة وأنصف الرعية وبسط العدل ، وجمع إخوته وفرّق عليهم كنوز أخيهم ، فسرّ الناس به وطلب امرأة أخيه الساحرة ، ففرّت منه بابنها إلى مدينة ببلاد الصعيد ، وامتنعت عليه بسحرها ، وأقامت مدّة واجتمع السحرة إلى ابنها ، وكان اسمه توميدون ، وحملوه على طلب الملك ، فسار وخرج إليه شمرود وأخوته ، فاقتتلوا قتالا عظيما كان فيه الظفر لتوميدون فقتله. وملك من بعده ، فقام توميدون بن تدرسان بالملك في مدينة أمسوس ، وكان عالما فاضلا ، فتقوّى بسحر أمه ، وعملت له أعمالا عجيبة ، منها قبة من زجاج على هيئة الكرة تدور بدوران الفلك ، وصوّرت فيها صور الكواكب ، فكانوا يعرفون بها أسرار الطبائع وعلوم العالم ، فلما ماتت أمّه الساحرة بعد ستين سنة من ملكه طلى جسدها بما يدفع عنه النتن والحشرات ، ودفنت تحت صنم القمر ، ويقال : إنها كانت بعد موتها يسمع من عندها صوت بعض الأرواح ، وتخبرهم بعجائب ، وتجيب عما تسأل عنه ، ولما مات توميدون بعد مائة سنة من ملكه عمل له صورة من زجاج مقسومة نصفين ، وأدخل فيها بعد ما طلي بالأدوية المانعة من