وكانت عاقلة فخافت لكثرة قتله الناس ، فقتلته بسمّ ، وله في الملك مائة وسبعون سنة.
وملكت بعده جورياق : فوعدت الناس بالإحسان ، وجمعت الأموال وقدّمت الكهنة وأهل الحكمة ورؤساء السحرة ، ورفعت أقدارهم وجدّدت الهياكل ، وصار من لم يرضها إلى مدينة أتريب ، وملّكوا رجلا من ولد أتريب ، وقد تقدّم خبره في الإسكندرية ، وجورياق أوّل امرأة ملكت مصر من ولد نوح عليهالسلام ، وماتت.
فملكت بعدها ابنة عمها زلفى بنت مأمون : وكانت عذراء عاقلة ، فوعدت الناس بالجميل ، وقام عليها أيمن الإتريبيّ ، واستنصر بملك العمالقة ، فسير معه قائدا ، فأخرجت إليه جيشا فالتقوا بالعريش ، واقتتلوا حتى فني منهم كثير من الناس ، ثم انهزم أصحاب زلفى إلى منف ، وهم في أقفيتهم ، فخرجت زلفى إلى الصعيد ، ونزلت الأشمونين ، فكان بينها وبين عساكر العمالقة حروب انهزموا فيها ، وخرجوا عن منف بعد ما عاثوا فيها وعدّوا إلى الجرف ، فامتنعوا به ، وصارت مصر بينهم نصفين ، ثم إنّ زلفى عاودت الحرب ، فاستمرّت ثلاثة أشهر حتى انهزمت إلى قوص وأيمن خلفها ، فلما أيقنت أنها تؤخذ ، سمّت نفسها ، فهلكت.
وقال ابن عبد الحكم : ثم توفي طوطيس بن ماليا ، فاستخلفت ابنته جورياق ابنة طوطيس ، ولم يكن له ولد غيرها ، ثم توفيت جورياق فاستخلفت ابنة عمها زلفى ابنة مأمون بن ماليا ، فعمرت دهرا طويلا ، وكثروا ونموا وملأوا أرض مصر كلها ، فطمعت فيهم العمالقة ، فغزاهم الوليد بن دومع ، فقاتلهم قتالا عظيما ، ثم رضوا أن يملكوه عليهم فملكهم نحوا من مائة سنة ، فطغى وتكبر ، وأظهر الفاحشة ، فسلط الله عليه سبعا فافترسه وأكل لحمه.
والذي ملك مصر من الفراعنة خمسة : وملك أيمن وتجبر ، وقتل خلقا ممن حاربه ، وكان الوليد بن دومع العمليقي قد خرج في جيش كثيف ، فبعث غلاما يقال له : فرعون ، إلى مصر ، ففتحها. ثم قدم بعده واستباح أهل مصر ، وأخذ أموالهم ثم خرج ليقف على مصب النيل فرأى جبل القمر ، وأقام في غيبته أربعين سنة ، ورجع إلى مصر ، وقد خالفه فرعون ، وفرّ منه فاستعبد أهل مصر وملكهم مائة وعشرين سنة حتى هلك.
وملك ابنه الريان بن الوليد بن دومع : أحد العمالقة ، وكان أقوى أهل الأرض في زمانه وأعظمهم ملكا.
والعمالقة : ولد عمليق بن لاود بن سام بن نوح ، وهو فرعون يوسف عليهالسلام ، والقبط تسميه : نهراوش ، وقيل : فرعون يوسف ، اسمه : الريان بن الوليد بن ليث بن قاران بن عمرو بن عمليق بن بلقع بن عابر بن اشليخا بن لود بن سام بن نوح ، وقيل : فرعون