نفسه وغلبته النساء ، ثم إنها فصدت عروقه وقالت : دماء الملوك شفاء ، وأخذت رأسه ووجهت به إلى قصرها ، ونصبته عليه وحوّلت تلك الأموال إلى مدينة منف ، وبنت منارا بالإسكندرية ، وزبرت عليه اسمها واسمه ، وما فعلت به وتاريخ الوقت.
فلما بلغ خبرها الملوك هابوها وأطاعوها وهادوها ، وعملت بمصر عجائب كثيرة ، وبنت على حدّ مصر من ناحية النوبة حصنا ، وقنطرة يجري ماء النيل من تحتها ، واعتلت فقلدت ابنة عمها زلفى بنت مأمون وماتت.
وقال ابن خرداذبه : إنّ الإسكندرية بنيت في ثلثمائة سنة ، وأنّ أهلها مكثوا سبعين سنة لا يمشون فيها بالنهار إلا بخرق سود مخافة على أبصارهم من شدّة بياض حيطانها ومنارتها العجيبة على سرطان زجاج في البحر ، وإنه كان فيها سوى أهلها ستمائة ألف من اليهود خول لأهلها.
وقال ابن وصيف شاه : وكانت العمارة ممتدّة في رمال رشيد والإسكندرية إلى برقة فكان الرجل يسير في أرض مصر ، فلا يحتاج إلى زاد لكثرة الفواكه والخيرات ، ولا يسير إلا في ظلال تستره من حرّ الشمس ، وعمل الملك صا بن قبطيم في تلك الصحاري قصورا ، وغرس فيها غروسا وساق إليها من النيل أنهارا فكان يسلك من الجانب الغربيّ إلى حد الغرب في عمارة متصلة ، فلما انقرض أولئك القوم بقيت آثارهم في تلك الصحارى ، وخربت تلك المنازل وباد أهلها ، ولا يزال من دخل تلك الصحارى يحكي ما رآه فيها من الآثار والعجائب.
وقال ابن عبد الحكم : وكان الذي بنى الإسكندرية ، وأسس بناءها : ذو القرنين الروميّ ، واسمه : الإسكندر ، وبه سميت : الإسكندرية ، وهو أوّل من عمل لوشى ، وكان أبوه أوّل القياصرة ، وقيل : إنه رجل من أهل مصر اسمه مرزبا بن مرزبه اليونانيّ من ولد يونان بن يافث بن نوح صلىاللهعليهوسلم ، وقيل : كان من أهل لوبية كورة من كور مصر الغربية ، وقال ابن لهيعة : وأهلها روم ويقال : هو رجل من حمير. قال تبع :
قد كان ذو القرنين جدّي مسلما |
|
ملكا تدين له الملوك بمحشد |
بلغ المغارب والمشارق يبتغي |
|
أسباب علم من حكيم مرشد |
فرأى مغيب الشمس عند غروبها |
|
في عين ذي خلب وثأط حرمد |
ويروى : قد كان ذو القرنين قبلي مسلما ، وحدّثني عثمان بن صالح ، حدّثني عبد الله بن وهب ، عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم ، عن سعد بن مسعود التجيبيّ ، عن شيخين من قومه قالا : كنا بالإسكندرية فاستطلنا يومنا ، فقلنا : لو انطلقنا إلى عقبة بن عامر نتحدّث عنده ، فانطلقنا إليه فوجدناه جالسا في داره ، فأخبرنا : إنا استطلنا يومنا ، فقال : وأنا مثل ذلك! إنما خرجت حين استطلته ، ثم أقبل علينا فقال : كنت عند رسول الله صلىاللهعليهوسلم أخدمه ، فإذا