كم كان فيها من اليهود ، فإنّ ملك الروم أمر بإحصائهم ، فكانوا ستمائة ألف. قال : فما هذا الخراب الذي في أطرافها ، قال : بلغني عن بعض ملوك فارس حين ملكوا مصر أنه أمر بفرض دينار على كل محتلم لعمران الإسكندرية ، فأتاه كبراء أهلها وعلماؤهم ، وقالوا : أيها الملك لا تتعب فإنّ الإسكندرية أقام الإسكندر على بنائها ، ثلثمائة سنة ، وعمرت ثلثمائة سنة ، وإنها لخراب منذ ثلثمائة سنة ، ولقد أقام أهلها سبعين سنة لا يمشون فيها نهارا إلا بخرق سود في أيديهم خوفا على أبصارهم من شدّة بياضها.
ومن فضائلها ما قاله بعض المفسرين من أهل العلم : أنها المدينة التي وصفها الله عزوجل في كتابه العزيز فقال : (إِرَمَ ذاتِ الْعِمادِ الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُها فِي الْبِلادِ) [الفجر / ٨].
قال أحمد بن صالح : قال لي سفيان بن عيينة : يا مصريّ أين تسكن؟ قلت : أسكن الفسطاط ، فقال : أتاني الإسكندرية؟ قلت : نعم ، قال : تلك كنانة الله يجعل فيها خيار سهامه.
وقال وقال عبد الله بن مرزوق الصدفيّ ، لما نعى لي ابن عمي خالد بن يزيد ، وكان قد توفي بالإسكندرية ، لقيني موسى بن عليّ بن رباح وعبد الله بن لهيعة والليث بن سعد متفرّقين كلهم يقول : أليس مات بالإسكندرية؟ فأقول : نعم ، فيقولون : هو حيّ عند الله يرزق ويجري عليه أجر رباطه ما أقامت الدنيا ، وله أجر شهيد حتى يحشر على ذلك ، وقال الذين ينظرون في الأهوية والبلدان وترتب الأقاليم والأمصار : أنه لم تطل أعمار الناس في بلد من البلدان طولها بمربوط من كورة الإسكندرية ، ووادي فرغانة. وقال الحسن بن صفوان : وأما الإسكندرية وتنيس ، وأمثالهما ، فقربها من البحر وسكون الحرارة والبرد عندهم ، وظهور ريح الصبا فيهم مما يصلح أمرهم ، ويرق طباعهم ، ويرفع همتهم وليس يعرض لهم ما يعرض لأهل اليشمون من غلظ الطبع والحمارية ، وقد وصف أهل الإسكندرية بالبخل ، قال جلال الدين بن مكرم بن أبي الحسن بن أحمد الخزرجي ملك الحفاظ :
نزيل اسكندرية ليس يقري |
|
بغير الماء أو نعت السواري |
ويتحف حين يكرم بالهواء ال |
|
ملاتن والإشارة للمنار |
وذكر البحر والأمواج فيه |
|
ووصف مراكب الروم الكبار |
فلا يطمع نزيلهم بخبز |
|
فما فيها لذاك الحرف قاري |
وقال أحمد بن جردادية من الفسطاط إلى ذوات الساحل ، أربعة وعشرون ميلا ، ثم إلى مربوط ثلاثون ميلا ، ثم إلى كوم شريك ثلاثون ميلا ، ثم إلى كريون أربعة وعشرون ميلا ، ثم إلى الإسكندرية أربعة وعشرون ميلا ، وقال آخر : وطريق الإسكندرية إذا نضّب ماء النيل يأخذ بين المدائن والضياع ، وذلك إذا أخذت من شطنوف إلى سبك العبيد ، فهو منزل فيه منية لطيفة ، وبينهما اثنا عشر سقسا ، ومن سبك إلى مدينة منوف ، وهي كبيرة فيها