ثم عزله المطلب بعد ثلاثة أشهر ، بأخيه الفضل بن عبد الله بن مالك ، وكانت بالإسكندرية مراكب الأندلسيين قد قفلوا من غزوهم ، وكان سبب قدوم هذه المراكب ما جرى لأهل قرطبة بوقعة الربض مع الحكم بن هشام في سنة اثنتين وثمانين ومائة ، فأخرج جماعة منهم ، فوصلوا إلى صغر الإسكندرية ، زيادة على عشرة آلاف ، وكان سبب ثورتهم أنّ قصابا من الإسكندرية ، رمى وجه رجل منهم بكرش ، فأنفوا من ذلك وصاروا إلى ما صاروا إليه ، وذلك لما نزلوا رمل الإسكندرية ليبتاعوا ما يصلحهم ، وكذلك كانوا على الزمان ، وكانت الأمراء لا تبيحهم دخول الإسكندرية إنما كان الناس يخرجون إليهم ، فيبايعونهم ، فلما عزل عمر بن ملاك كتب إليه عبد العزيز الجرويّ يأمره بالوثوب على الإسكندرية ، والدعاء له بها ، فبعث عمر بن ملاك إلى الأندلسيين ، فدعاهم إلى القيام معه في إخراج الفضل عنها ، فساروا معه ، وأخرج الفضل ، ودعا للجروي ، فوثب أهل الإسكندرية على الأندلسيين وأخرجوهم وردّوا الفضل ، وقتل من الأندلسيين نفر ، وانهزم الباقون إلى مراكبهم ، فعزل المطلب أخاه ، وولى عليها إسحاق بن أبرهة بن الصباح ، في شهر رمضان سنة تسع وتسعين ، ثم عزله بأبي ذكر بن جنادة المعافري.
فلما اقتتل السري بن الحكم هو والمطلب بن عبد الله ، وغلب السري على مصر ، وثب عمر بن ملاك ، على أبي بكر ، وأخرجه من الإسكندرية ، ودعا للجرويّ ، وأقبل الأندلسيون إليه فأفسدوا ، فأمرهم بالخروج إلى مراكبهم ، فشق ذلك عليهم ، وظهرت بالإسكندرية طائفة يسمون بالصوفية ، يأمرون بالمعروف ، ويعارضون السلطان في أموره ، فترأس عليهم رجل منهم يقال له : أبو عبد الرحمن الصوفيّ ، فصاروا مع الأندلسيين يدا واحدة ، واعتضدوا بلخم ، وكانت لخم أعز من في ناحية الإسكندرية ، فخوصم أبو عبد الرحمن الصوفيّ إلى عمر بن ملاك في امرأة ، فقضى على أبي عبد الرحمن ، فوجد في نفسه من ذلك ، وخرج إلى الأندلسيين فألّف بينهم وبين لخم ، ورجا أهل الأندلس أن يدركوا ثارا من عمر بن ملاك ، فساروا إلى عمر بن ملاك ، وهم زهاء عشرة آلاف ، فحصروه في قصره ، وخشي أنّ القصر لا يمنعه منهم ، وخاف أن يدخلوا عليه عنوة ، فيفضح في حرمه ، فاغتسل ، وتحنط ، وتكفن ، وأمر أهله أن يدلوه إليهم ، فدلي فأخذته السيوف ، فقتل.
ثم ولي أخوه محمد بن عبد الله الذي يلقب : جيوس ، فقتل ، ثم ولي عليهم عبد الله البطال بن عبد الواحد بن محمد بن عبد الرحمن بن معاوية بن خديج ، فقتل ، ثم ولي عليهم أخوه أبو هبيرة الحارث ، فقتل ، ثم ولي عليهم خديج بن عبد الواحد ، فقتل ، وانصرف القوم ، وذلك في ذي القعدة ، ثم فسد ما بين لخم والأندلسيين عند مقتل ابن ملاك واقتتلوا ، فانهزمت لخم.
فظفر الأندلسيون بالإسكندرية في ذي الحجة ، فولوها أبا عبد الرحمن الصوفيّ ، فبلغ