فولي تكين بعده ولايته الثانية من قبل المقتدر ، ونزل الجيزة وأقبلت مراكب صاحب إفريقية إلى الإسكندرية عليها سليمان الخادم ، فقدم ثمل الخادم صاحب مراكب طرسوس ، فالتقيا برشيد في شوّال ، فاقتتلا فبعث الله ريحا على مراكب سليمان ألقتها إلى البر فتكسر أكثرها ، وأخذ من فيها أخذا باليد ، وقتل أكثرهم ، وأسر من بقي وسيقوا إلى الفسطاط فقتل منهم نحو سبعمائة رجل ، وسار أبو القاسم بن المهدي من الإسكندرية إلى الفيوم ، وملك جزيرة الأشمونين والفيوم ، وأزال عنها جند مصر ، فمضى ثمل الخادم في مراكبه إلى الإسكندرية ، فقاتل من بها من أهل إفريقية ، فظفر بهم ، ونقل أهل الإسكندرية إلى رشيد وعاد إلى الفسطاط ، ومضى في مراكبه إلى اللاهون ، ولحقته العساكر ، فدخلوا إلى الفيوم في صفر سنة سبع وثلثمائة ، فخرج أبو القاسم بن المهدي إلى برقة ، ولم يكن بينهما قتال ، ورجعت العساكر إلى الفسطاط ، وما زالت الإسكندرية وأعمالها في اضطراب إلى أن قدمت جيوش المعز لدين الله ، مع القائد جوهر في سنة ثمان وخمسين وثلثمائة ، فملكتها وما برحت إلى أن قام بها نزار بن المستنصر ، وكان من أمره ما قد ذكر عند ذكر خزائن القصر.
وفي سنة اثنتي عشرة وستمائة ، اجتمع بالإسكندرية ثلاثة آلاف من تجار الفرنج ، وقدمت بطسة إلى المينا فيها من ملوك الفرنج ، ملكان ، فهموا أن يثوروا ويقتلوا أهل البلد ، ويملكوها ، فتوجه الملك العادل ، أبو بكر بن أيوب ، إليها وقبض على التجار المذكورين ، وعلى من بالبطسة واستصفى أموالهم ، وسجنهم وسجن الملكين ، وجرت خطوب حتى أطلق السلطان نساءهم ، وعاد إلى القاهرة.
وفي سنة أربع وخمسين وخمسمائة ، بنى الملك الصالح طلائع بن رزيك على بلبيس حصنا من لبن.
وفي سنة اثنتين وستين وخمسمائة ، كانت وقعة البابين بين الوزير شاور ، وأسد الدين شيركوه ، فانهزم عسكر شيركوه ، ومضى منهم طائفة إلى الإسكندرية ، ثم كانت لشيركوه على شاور ، فانهزم منه إلى القاهرة ، ومضى شيركوه إلى الإسكندرية ، فخرج إليه أهل الثغر ، وفيهم : نجم الدين محمد بن مصال والي الثغر وقاضيه الأشرف بن الخباب ، وناظره القاضي الرشيد بن الزبير ، وسرّوا بقدومه وسلّموه المدينة ؛ ثم سار منها يريد بلاد الصعيد.
واستخلف ابن أخيه صلاح الدين يوسف بن أيوب على الثغر في ألف فارس ، فنزل عليه شاور ، ومعه : مري ملك الفرنج ، فقام معه أهل الثغر ، واستعدّوا لقتال شاور ، فكان ما أخرجوه أربعة وعشرين ألف فرس ، فوعدهم شاور أن يضع عنهم المكوس والواجبات ، ويعطيهم الخمس إذا سلموه صلاح الدين ، فأبوا ذلك ، وألحوا في قتاله ، فحصرهم حتى قلّ الطعام عندهم ، فتوجه إليهم شيركوه وقد حشد من العربان جموعا كثيرة ، فبعث إليه شاور