ويقال : إنّ الجنتين اللتين ذكرهما الله تعالى في كتابه العزيز إذ يقول : (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً رَجُلَيْنِ جَعَلْنا لِأَحَدِهِما جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنابٍ وَحَفَفْناهُما بِنَخْلٍ) [الكهف / ٣٢] الآيات ، كانتا لأخوين من بيت الملك أقطعهما ذلك الموضع ، فأحسنا عمارته وهندسته وبنيانه ، وكان الملك يتنزه فيهما ، ويؤتي منهما بغرائب الفواكه والبقول ، ويعمل له من الأطعمة والأشربة ما يستطيبه ، فعجب بذلك المكان أحد الأخوين ، وكان كثير الضيافة والصدقة ، ففرّق ماله في وجوه البرّ ، وكان الآخر ممسكا يسخر من أخيه إذا فرّق ماله ، وكلما باع من قسمه شيئا اشتراه منه حتى بقي لا يملك شيئا ، وصارت تلك الجنة لأخيه واحتاج إلى سؤاله ، فانتهره وطرده ، وعيره بالتبذير ، وقال : قد كنت أنصحك بصيانة مالك ، فلم تفعل ، ونفعني إمساكي فصرت أكثر منك مالا وولدا ، وولى عنه مسرورا بماله وجنته ، فأمر الله تعالى البحر ، فركب تلك القرى ، وغرّقها جميعها ، فأقبل صاحبها يولول ويدعو بالثبور ويقول : يا ليتني لم أشرك بي أحدا ، قال الله جلّ جلاله : (وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللهِ) [الكهف / ٤٣].
وفي زمان قليمون الملك ، بنيت دمياط ، وملك قليمون تسعين سنة ، وعمل لنفسه ناوسا في الجبل الشرقيّ ، وحوّل إليه الأموال والجواهر وسائر الذخائر ، وجعل من داخله تماثيل تدور بلواليب في أيديها سيوف من دخل قطعته ، وجعل عن يمينه ويساره ، أسدين من نحاس مذهب بلوالب ، من أتاه حطماه ، وزبر عليه : هذا قبر قليمون بن أتريب بن قبطيم بن مصر عمّر دهرا ، وأتاه الموت فما استطاع له دفعا ، فمن وصل إليه فلا يسلبه ما عليه وليأخذ من بين يديه.
ويقال : إنّ تنيس أخ لدمياط.
وقال المسعوديّ في كتاب مروج الذهب وغيره : تنيس كانت أرضا لم يكن بمصر مثلها استواء وطيب تربة ، وكانت جنانا ونخلا وكرما وشجرا ومزارع ، وكانت فيها مجار على ارتفاع من الأرض ، ولم ير الناس بلدا أحسن من هذه الأرض ، ولا أحسن اتصالا من جنانها وكرومها ، ولم يكن بمصر كورة يقال إنها تشبهها إلا الفيوم ، وكان الماء منحدرا إليها لا ينقطع عنها صيفا ولا شتاء يسقون جنانهم إذا شاءوا ، وكذلك زروعهم وسائره يصب إلى البحر من جميع خلجانه ، ومن الموضع المعروف بالأشتوم ، وقد كان بين البحر وبين هذه الأرض مسيرة يوم ، وكان فيما بين العريش وجزيرة قبرس ، طريق مسلوك إلى قبرس ، تسلكه الدواب يبسا ولم يكن بين العريش وجزيرة قبرس في البحر سير طويل ، حتى علا الماء الطريق الذي كان بين العريش وقبرس ، فلما مضت لدقلطيانوس من ملكه مائتا وإحدى وخمسون سنة ، هجم الماء من البحر على بعض المواضع التي تسمى اليوم : بحيرة تنيس ، فأغرقه وصار يزيد في كل عام ، حتى أغرقها بأجمعها ، فما كان من القرى التي في قرارها غرق ، وأما الذي كان منها على ارتفاع من الأرض فبقي منه تونة وبورا وغير ذلك مما هو