وقام بالأمر عليّ بن حمزة بن جعفر بن سليمان بن عليّ بن عبد الله بن عباس ، في مستهل شعبان ، فامتنع عباد أن يبايعه ، ولحق بالجرويّ ، ثم لحق به أيضا سليمان بن غالب ، فكان معه وعاد السريّ إلى ولايته مصر ، في شعبان وقوي سلطانه.
فلما كان في المحرّم سنة اثنتين مائتين ، ورد كتاب المأمون إليه يأمره ، بالبيعة لوليّ عهده عليّ بن موسى (١) الرضى ، فبويع له بمصر ، وقام في فساد ذلك إبراهيم بن المهديّ ببغداد ، وكتب إلى وجوه الجند بمصر ، يأمرهم بخلع المأمون ، ووليّ عهده وبالوثوب على السريّ ، فقام بذلك الحارث بن زرعة بن محرّم بالفسطاط ، وعبد العزيز بن الوزير الجرويّ بأسفل الأرض ، ومسلمة بن عبد الملك الطحاويّ الأزديّ بالصعيد ، وخالفوا السريّ ، ودعوا إلى إبراهيم بن المهديّ ، وعقدوا على ذلك الأمر لعبد العزيز بن عبد الرحمن الأزديّ ، فحاربه السريّ ، وظفر به في صفر ولحق كل من كره بيعة عليّ الرضى بالجرويّ ، لمنعته بتنيس وشدّة سلطانه ، فسار إلى الإسكندرية ، وملكها ودعى له بها وببلاد الصعيد ، ثم سار في جمع كبير لمحاربة السريّ ، واستعدّ كل منهما لصاحبه بأعظم ما قدر عليه ، فبعث إليه السريّ ابنه ميمونا ، فالتقيا بشطنوف ، فقتل ميمون في جمادى الأولى سنة ثلاث ومائتين ، وأقبل الجرويّ على مراكبه إلى الفسطاط ليحرقها ، فخرج إليه أهل المسجد ، وسألوه الكف ، فانصرف عنها وحارب الإسكندرية غير مرّة ، وقتل بها من حجر أصابه من منجنيقه في آخر صفر سنة خمس ومائتين.
ومات السريّ بعده بثلاثة أشهر في آخر جمادى الأولى ، وقام بعده الجرويّ ابنه عليّ بن عبد العزيز الجرويّ ، فحارب أبا نصر محمد بن السريّ أمير مصر بعد أبيه بشطنوف ، ثم التقيا بدمنهور ، فيقال : إنّ القتلى بينهما يومئذ كانوا سبعة آلاف ، وانهزم ابن السريّ إلى الفسطاط ، فتبعته مراكب ابن الجوريّ ، ثم عادت فدخل أبو حرملة فرج بينهما حتى اصطلحا ، ومات ابن السريّ في شعبان سنة ست ومائتين ، فولي بعده أخوه عبيد الله بن السريّ ، فكف عن ابن الجرويّ.
وبعث المأمون ، مخلد بن يزيد بن مزيد الشيبانيّ إلى مصر في جيش من ربيعة ، فامتنع عبيد الله بن السريّ من التسليم له ، ومانعه فاقتتلوا ، وانضم عليّ بن الجرويّ إلى خالد بن يزيد ، وأقام له الأنزال وأغاثه ، وسار حتى نزل على خندق عبيد الله بن السريّ ، فاقتتلا في شهر ربيع الأوّل سنة سبع ومائتين ، وجرت بينهما حروب بعد ذلك آلت إلى ترفع خالد إلى أرض الحوف ، فكره ذلك ابن الجرويّ ، ومكر به حتى أخرجه من عمله إلى غربيّ النيل فنزل نهيا ، وانصرف ابن الجرويّ إلى تنيس ، فصار خالد في ضرّ وجهد ، وعسكر له
__________________
(١) هو علي بن موسى بن جعفر الصادق ويلقب بعلي الرضا. بايع له المأمون بولاية العهد وخلع أخاه القاسم وترك لبس السواد ولبس الخضرة وذلك سنة ٢٠١ ه وهو ثامن الأئمة الاثني عشرية عند الإمامية ومن أجلاء السادة أهل البيت وفضلائهم ولد سنة ١٥٣ ه وتوفي سنة ٢٠٣ ه النجوم الزاهرة ج ٢ / ٢١٥ الأعلام ج ٥ / ٢٦.