بلد النوبة ، ويمتدّ إلى البحر المحيط مسيرة خمسة أشهر ، ومنه عرق يضرب من القادسية إلى البحرين ، فيعبر البحرين فيمرّ على مشارق خورستان وفارس إلى أن يرد سجستان ويمرّ مشرقا إلى مرو آخذا على جيحون في برّية خوارزم ، ويأخذ في بلاد الحدلحية إلى الصين والبحر المحيط في جهة الشرق ، وهو على ما وصفته وسقته من المحيط بالمشرق إلى المحيط بالمغرب ، وفيه جبال عظام لا ترتقى ، وبعضه في أرض سهلة ينتقل من مكان إلى مكان ، ومنه أصفر لين اللمس وأحمر وأزرق سماويّ وأسود حالك وأكحل مشبع كالنيل وأبيض كالثلج ، ومنه ما يحكي الغبار نعومة ، ومنه خشن جريش اللمس ، وزعم بعضهم أن رمل الغرابيّ ، وما يتصل به من حدّ العريش إلى أرض العباسة حادث.
وذكر في سبب كونه ، خبر فيه معتبر ، وهو أنّ شدّاد بن هدّاد بن شدّاد بن عاد ، أحد الملوك العادية ، قدم إلى مصر ، وغلب بكثرة جيوشه أشمون بن مصر بن بيصر بن حام بن نوح ملك مصر ، وهدم ما بناه هو وآباؤه ، وبنى لنفسه أهراما ونصب أعلاما زبر عليها الطلسمات ، واختط موضع الإسكندرية ، وأقام هناك دهرا إلى أن نزل به وبقومه وباء ، فخرجوا من أرض مصر إلى جهة وادي القرى فيما بين المدينة النبوية ، وأرض الشام ، وعمروا الملاعب والمصانع لحبس المياه التي تجتمع من الأمطار والسيول ، فكان سعة كل مصنع ميلا في ميل ، وغرسوا النخل وغيره ، وزرعوا أصناف الزراعات ، فيما بين راية وأيلة إلى البحر الغربيّ ، وامتدّت منازلهم من الدثنة إلى العريش والجفار في أرض سهلة ذات عيون تجري وأشجار مثمرة ، وزروع كثيرة ، فأقاموا بهذه الأرض دهرا طويلا ، حتى عثوا وبغوا وتجبروا وطغوا ، وقالوا : نحن الأكثرون قوّة الأشدّون الأغلبون ، فسلط الله عليهم الريح فأهلكتهم ونسفت مصانعهم وديارهم ، حتى سحلتها رملا فما تراه من هذه الرمال التي بأرض الجفار ، ما بين العباسة حيث المنزلة التي تعرف اليوم بالصالحية إلى العريش من رمل مصانع العادية ، وسالة صخورهم لما أهلكهم الله بالريح ودمّرهم تدميرا ، وإياك وإنكار ذلك لغرابته ، ففي القرآن الكريم ما يشهد لصحته ، قال تعالى : (وَفِي عادٍ إِذْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ ما تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ) [الذاريات / ٤١] أي كالشيء الهالك البالي ، وقيل : الرميم : نبات الأرض إذا يبس ، وديس ، وقيل : الورق الجاف المتحطم مثل الهشيم ، والرميم : الخلق البالي من كل شيء.
مراقية : مدينة مراقية ، كورة من كور مصر الغربية ، وهي آخر حدّ أرض مصر ، وفي آخر أرض مراقية تلقي أرض انطابلس ، وهي برقة وبعدها من مدينة سنترية نحو من بريدين ، وكان قطرا كبيرا به نخل كثير ومزارع ، وبه عيون جارية ، وبها إلى اليوم بقية ، وثمرها جيد إلى الغاية وزرعها إذا بذر ينبت من الحبة الواحدة من القمح ، مائة سنبلة ، وأقل ما تنبت تسعون سنبلة ، وكذلك الأرز بها فإنه جيد زاك وبها إلى اليوم بساتين متعدّدة ، وكانت مراقية في القديم من الزمان سكنها البربر الذين نفاهم داود عليهالسلام من أرض فلسطين ، فنزلها