والهواء لا يجدون فيها ألم العذاب ، فأخرجوا شعيبا ومن آمن معه من مواضعهم ، وأزالوهم عن أماكنهم ، وتوهموا أن ذلك ينجيهم مما نزل بهم ، فجعلها الله عليهم نارا ، فأتت عليهم فرثت جارية بنت كلمن أباها ، وكانت بالحجاز فقالت :
كلمن هدّم ركني |
|
هلكه وسط المحله |
سيد القوم أتاه ال |
|
حتف نارا وسط ظله |
كوّنت نارا فأضحت |
|
دار قومي مضمحله |
وقال المتنصر بن المنذر المدينيّ :
ألا يا شعيب قد نطقت مقالة |
|
أبدت بها عمرا وتحيي بني عمرو |
هم ملكوا أرض الحجاز بأوجه |
|
كمثل شعاع الشمس في صورة البدر |
وهم قطنوا البيت الحرام وزينوا |
|
قطورا وفازوا بالمكارم والفخر |
ملوك بني حطي وسعفص ذي الندى |
|
وهوّز أرباب الثنية والحجر |
قال المسعوديّ : ولهؤلاء الملوك أخبار عجيبة من حروب وسير ، وكيفية تغلبهم على هذه الممالك ، وتملكهم عليها وإبادتهم من كان فيها قبلهم من الأمم ، وقيل : إنّ الأيكة المذكورة في قوله عزوجل : (كَذَّبَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ) [الشعراء / ١٧٦] ، وفي قوله سبحانه وتعالى : (وَإِنْ كانَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ لَظالِمِينَ فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ) [الحجر / ٧٨] هي مدين ، وقيل : من ساحل البحر إلى مدين ، وقيل : هي غيضة نحو مدين ، وقيل : بل أصحاب الأيكة ، الذين بعث إليهم شعيب كانوا بتبوك بين الحجر ، وأوّل الشام ، ولم يكن شعيب منهم ، وإنما كان من مدين.
وقال أبو عبيد البكريّ : الأيكة المذكورة في كتاب الله تعالى التي كانت منازل قوم شعيب ، روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فيها روايتان ، إحداهما : إنّ الأيكة من مدين إلى شعيب ، والرواية الثانية : إنها من ساحل البحر إلى مدين ، وكان شجرهم المقل والأيكة عند أهل اللغة الشجر الملتف ، وكانوا أصحاب شجر ملتف ، وقال قوم : الأيكة : الغيضة ، وليكة : اسم البلد وما حولها كما قيل : مكة ، وبكة.
وقال أبو جعفر النحاس : ولا يعلم ليكة اسم البلد ، وقال ابن قتيبة : وكان بعضهم يزعم أن بكة ، هو موضع المسجد وما حولها مكة كما فرق بين الأيكة وليكة ، فقيل : الأيكة : الغيضة ، وليكة البلد : حولها.
وقال البكريّ : مدين بلد بالشام معلوم تلقاء غزة ، وهو المذكور في كتاب الله تعالى ، وهذا وهم ، بل مدين من أرض مصر ، وبعث رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، سرية إلى مدينة مدين ، أميرهم : زيد بن حارثة رضياللهعنه ، فأصاب سبيا من أهل ميتا. قال ابن إسحاق : وميتا هي السواحل ، فبيعوا وفرّق بين الأمهات والأولاد ، فخرج رسول الله صلىاللهعليهوسلم وهم يبكون فقال :