وبلغ ذلك الملك أبا بكر بن أيوب ، فخرج من مصر في العساكر إلى الرملة ، فبرز الفرنج من عكا في جموع عظيمة ، فسار العادل إلى بيسان ، فقصده الفرنج ، فخافهم لكثرتهم ، وقلة عسكره ، فأخذ على عقبة رفيق يريد دمشق ، وكان أهل بيسان وما حولها ، قد اطمأنوا لنزول السلطان هناك ، فأقاموا في أماكنهم ، وما هو إلا أن سار السلطان ، وإذا بالفرنج قد وضعوا السيف في الناس ، ونهبوا البلاد ، فحازوا من أموال المسلمين ما لا يحصى كثرة ، وأخذوا بيسان وبانياس وسائر القرى التي هناك ، وأقاموا ثلاثة أيام ثم عادوا إلى مرج عكا بالغنائم والسبي ، وهلك من المسلمين خلق كثير ، فاستراح الفرنج بالمرج أياما ، ثم عادوا ثانيا ونهبوا صيدا والشقيف ، وعادوا إلى مرج عكا ، فأقاموا به ، وكان ذلك كله فيما بين النصف من شهر رمضان وعيد الفطر ، والملك العادل مقيم بمرج الصفر ، وقد سير ابنه المعظم عيسى بعسكر إلى نابلس لمنع الفرنج من طروقها ، والوصول إلى بيت المقدس ، فنازل الفرنج قلعة الطور سبعة عشر يوما ، ثم عادوا إلى عكا ، وعزموا على قصد الديار المصرية ، فركبوا بجموعهم البحر ، وساروا إلى دمياط في صفر ، فنزلوا عليها يوم الثلاثاء رابع ربيع الأوّل سنة خمس عشرة وستمائة الموافق لثامن حزيران ، وهم نحو السبعين ألف فارس وأربعمائة ألف راجل ، فخيموا تجاه دمياط في البرّ الغربيّ ، وحفروا على عسكرهم خندقا ، وأقاموا عليه سورا وشرعوا في قتال برج دمياط ، فإنه كان برجا منيعا فيه سلاسل من حديد غلاظ ، تمدّ على النيل ، لتمنع المراكب الواصلة في البحر الملح من الدخول إلى ديار مصر في النيل ، وذلك أنّ النيل إذا انتهى إلى فسطاط مصر ، مرّ عليه في ناحية الشمال إلى شطنوف ، فإذا صار إلى شطنوف انقسم قسمين أحدهما يمرّ في الشمال إلى رشيد ، فيصب في البحر الملح ، والشطر الآخر يمرّ من شطنوف إلى جوجر ، ثم يتفرّق من عند جوجر فرقتين ، فرقة تمرّ إلى أشموم فتصب في بحيرة تنيس ، وفرقة تمرّ من جوجر إلى دمياط ، فتصب في البحر الملح هناك ، وتصير هذه الفرقة من النيل فاصلة بين مدينة دمياط والبرّ الغربيّ ، وهذا البرّ الغربيّ من دمياط يعرف بجزيرة دمياط ، يحيط بها ماء النيل والبحر الملح.
وفي مدّة إقامة الفرنج بهذا البرّ الغربيّ ، عملوا الآلات والمراسي ، وأقاموا أبراجا يزحفون بها في المراكب إلى برج السلسلة ليملكوه ، فإنهم إذا ملكوه تمكنوا من العبور في النيل إلى القاهرة ومصر ، وكان هذا البرج مشحونا بالمقاتلة ، فتحيل الفرنج عليه ، وعملوا برجا من الصواري على بسطة كبيرة ، وأقلعوا بها حتى أسندوها إليه ، وقاتلوا من به حتى أخذوه.
فبلغ نزول الفرنج على دمياط الملك الكامل ، وكان يحلف أباه الملك العادل على ديار مصر ، فخرج بمن معه من العساكر في ثالث يوم من وقوع الطائر ، بخبر نزول الفرنج