لخمس خلون منه ، وأمر والي الغربية بجمع العربان ، وسار في جمع كبير ، وخرج الأسطول ، فأقام تحت دمياط ، ونزل السلطان بمن معه من العساكر بمنزلة العادلية ، قرب دمياط ، وامتدّت عساكره إلى دمياط لتمنع الفرنج من السور والقتال مستمرّ والبرج ممتنع مدّة أربعة أشهر ، والعادل يسير العساكر من البلاد الشامية شيئا بعد شيء حتى تكاملت عند الملك الكامل ، واهتمّ الملك لنزول الفرنج على دمياط ، واشتدّ خوفه ، فرحل من مرج الصفر إلى عالقين فنزل به المرض ، ومات في سابع جمادى الآخرة ، فكتم الملك المعظم عيسى موته وحمله في محفة ، وجعل عنده خادما وطبيبا راكبا إلى جانب المحفة ، والشر بدار يصلح الشراب ، ويحمله إلى الخادم فيشربه ، ويوهم الناس ، أنّ السلطان شربه ، إلى أن دخلوا به إلى قلعة دمشق ، وصارت إليها الخزائن والبيوتات ، فأعلن بموته.
وتسلم ابنه الملك المعظم ، جميع ما كان معه ، ودفنه بالقلعة ، ثم نقله إلى مدرسة العادلية بدمشق ، وبلغ الملك الكامل موت أبيه ، وهو بمنزلة العادلية قرب دمياط ، فاستقلّ بمملكة ديار مصر ، واشتدّ الفرنج ، وألحوا في القتال ، حتى استولوا على برج السلسلة ، وقطعوا السلاسل المتصلة به لتجوز مراكبهم في بحر النيل ، ويتمكنوا من البلاد فنصب الملك الكامل بدل السلاسل جسرا عظيما ، لمنع الفرنج من عبور النيل ، فقاتلت الفرنج عليه قتالا شديدا إلى أن قطعوه وكان قد أنفق على البرج والجسر ، ما ينيف على سبعين ألف دينار ، وكان الكامل يركب في كل يوم عدّة مرار من العادلية إلى دمياط لتدبير الأمور ، وإعمال الحيلة في مكايدة الفرنج ، فأمر الملك الكامل ، أن يفرّق عدّة من المراكب في النيل حتى تمنع الفرنج من سلوك النيل ، فعمد الفرنج إلى خليج هناك يعرف بالأزرق كان النيل يجري فيه قديما ، فحفروه وعمقوا حفره ، وأجروا فيه المال إلى البحر الملح ، وأصعدوا مراكبهم فيه إلى بورة على أرض جيزة دمياط ، مقابل المنزلة التي بها السلطان ليقاتلوه من هناك ، فلما صاروا في بورة جاؤوه ، وقاتلوه في الماء ، وزحفوا إليه عدّة مرار ، فلم يظفروا منه بطائل ولم يتغير على أهل دمياط شيء لأنّ الميرة والإمداد متصلة إليهم ، والنيل يحجز بينهم بين الفرنج ، وأبواب المدينة مفتحة وليس عليها من الحصر ضيق ولا ضرر ، والعربان تتخطف الفرنج في كل ليلة ، بحيث امتنعوا من الرقاد خوفا من غاراتهم ، فلما قوي طمع العرب في الفرنج حتى صاروا يخطفونهم نهارا ، ويأخذون الخيم بمن فيها ، أكمن الفرنج لهم عدّة كمناء ، وقتلوا منهم خلقا كثيرا ، وأدرك الناس الشتاء ، وهاج البحر على مخيم المسلمين وغرّقهم ، فعظم البلاء وتزايد الغم وألح الفرنج في القتال ، وكادوا أن يملكوا ، فبعث الله ريحا قطعت مراسي مرمة الفرنج.
وكانت من عجائب الدنيا ، فمرّت إلى برّ المسلمين فأخذوها فإذا هي مصفحة بالحديد ، لا تعمل فيها النار ومساحتها خمسمائة ذراع ، فكسروها ، فإذا فيها مسا ميرزنة الواحد منها خمسة وعشرون رطلا ، وبعث الكامل إلى الآفاق سبعين رسولا يستنجد أهل