هذه ، فأما المصر في كلام العرب فهو الحدّ بين الأرضين ، ويقال : إن أهل هجر يقولون : اشتريت الدار بمصورها أي بحدودها.
وقال الجاحظ في كتاب مدح مصر : إنما سميت مصر بمصر لمصير الناس إليها ، واجتماعهم بها. كما سمي مصير الجوف مصيرا ومصرانا لمصير الطعام إليه ، قال : وجمع المصر من البلدان أمصار ، وجمع مصير الطعام مصران ، وليس لمصر هذه جمع لأنها واحدة قال : وقال الأخطل : هممت بالإسلام ، ثم توقفت عنه ، قيل : ولم ذلك؟ قال : أتيت امرأة لي وأنا جائع فقلت : أطعميني شيئا ، فقالت : يا جارية ضعي لأبي مالك مصيرا في النار ، ففعلت ، فاستعجلتها بالطعام فقالت : يا جارية أين مصير أبي مالك؟ قالت : في النار ، قال : فتطيرت وهممت بأن أسلم فتوقفت.
وقال الجوهريّ (١) في كتاب الصحاح : مصر هي المدينة المعروفة تذكر وتؤنث عن ابن السراج والمصران الكوفة والبصرة ، وقال ابن خالويه (٢) : في كتاب ليس ليس أحد : فسّر لنا لم سميت مصر مقدونية قديما إلا في اللسان العبرانيّ ، قال : مقدونية مغيث وإنما سميت مصر لما سكنها بنصر بن حام ، وتزعم الروم أن بلاد مقدونية جميعا وقف على الكنيسة العظمى التي بالقسطنطينية ، ويسمون بلاد مقدونية الأوصفية وهي عندهم الإسكندرية ، وما يضاف إليها وهي مصر كلها بأسرها إلا الصعيد الأعلى ، ويقال لمصر : أم خنور ، وتفسيره النعمة والمصر الفرق بين الشيئين. قال الشاعر يصف الله تعالى :
وجاعل الشمس مصرا لا خفاء به |
|
بين النهار وبين الليل قد فصلا |
هذا البيت قائله عديّ بن زيد العباديّ ويروى لأمية بن الصلت الثقفيّ وهو من أبيات أوّلها:
اسمع حديثا كما يوما تحدّثه |
|
عن ظهر غيب إذا ما سائل سألا |
كيف بدا ثم ربى الله نعمته |
|
فيها وعلمنا آياته ألا ولا |
كانت رياح وسيل ذو كرانية |
|
وظلمة لم تدع فتقا ولا خللا |
فآمر الظلمة السوداء فانكشفت |
|
وعزل الماء عما كان قد شغلا |
وبسط الأرض بسطا ثم قدّرها |
|
تحت السّماء سواميل وما نقلا |
وجاعل الشمس مصرا لا خفاء به |
|
بين النهار وبين الليل قد فصلا |
وفي السماء مصابيح تضيء لنا |
|
ما إن تكلفنا زيتا ولا فتلا |
قضى لستة أيام خليقته |
|
وكان آخر شيء صوّر الرجلا |
__________________
(١) أبو إسحاق إبراهيم بن سعيد الجوهري من أعلام رجال الحديث توفي سنة ٢٤٧ ه. الأعلام ج ١ / ٤٠.
(٢) ابن خالويه : الحسين بن أحمد بن خالويه من كبار النحاة أصله من همدان زار اليمن والشام واستوطن حلب وعظمت شهرته أيام سيف الدولة الحمداني ، توفي في حلب سنة ٣٧٠ ه. الأعلام ج ٢ / ٢٣١.