أشهد لقد قال لي : إعرف لي هذا المقام ، ولا تنسه ، فعمل عقابا من ذهب ، وجعل عينيه جوهرتين ، ووشحه بالجوهر ، وعمل له هيكلا لطيفا ، وأرخى عليه ستور الحرير ، وأقبلوا على تبخيره وقربانه ، حتى نطق لهم ، فأقبل عون على عبادته ، ودعا الناس إلى ذلك ، فأجابوه ، ثم أمر فجمع له كل صانع بمصر ، وأخرج أصحابه إلى صحراء الغرب لطلب أرض سهلة حسنة الاستواء يدخل إليها من مواضع صعبة ، وجبال وعرة بحيث تقرب من مغيض الماء التي هي اليوم : الفيوم ، وكانت مغيضا لماء النيل ، حتى أصلحها يوسف عليهالسلام ليجري الماء منها إلى المدينة ، فخرجوا ، وأقاموا شهرا يطوفون حتى وجدوا بغيته ، فلم يبق بمصر فاعل ، ولا مهندس ، ولا أحد له بصر بالبناء ، وقطع الصخور ، ونحتها ، إلّا وجّه إليها ، وأنفذ ألف رجل من الجيش ، وسبعمائة ساحر لمعاونتهم ، وأنفذ معهم الآلات والأزواد على العجل وطريق هذه العجل إلى الفيوم في صحراء الغرب واضحة من خلف الأهرام.
فلما تكامل له ما أراد من نحت الحجارة ، خطوا المدينة فرسخين في مثلهما ، وحفروا في الوسط بئرا جعلوا فيها تمثال خنزير من نحاس بأخلاط ، ونصبوه على قاعدة نحاس ، ووجهه إلى الشرق ، وذلك بطالع بيت زحل واستقامته وسلامته ، وكان في شرفه ، وذبحوا خنزيرا ، ولطخوا التمثال بدمه في وجهه ، وبخروه بشيء من شعره ، وحشوا جوفه بدمه ، وشعره وعظامه ولحمه ومرارته ، وجعلوا في أذنيه من مرارته ، وحرّقوا بقية الخنزير ، وجعلوا رماده في قلة من نحاس بين يدي التمثال ، ونقشوه بآيات زحل ، ثم شقوا في البئر من الجهات الأربع في كل جهة ، سربا إلى حيطان المدينة ، وعملوا على أفواهها منافس تجذب الهواء ، وسدّوا البئر من الجهات الأربع قبة على عمد مرتفعة على حيطان المدينة ، وجعلوا فيها شوارع يتصل كل شارع بباب من أبواب المدينة ، وفصلوها بالطرقات والمنازل ، وجعلوا حول القبة تماثيل فرسان من نحاس بأيديهما حراب ، ووجوهها تجاه الأبواب ، وجعلوا أساس المدينة من حجر أسود ، فوقه حجر أحمر ، عليه حجر أصفر ، من فوقه حجر أخضر ، وفوق الجميع حجر أبيض يشف ، وكلها مبنية بالرصاص المصبوب بين الحجارة ، وفي قلوبها أعمدة من حديد على بناء الأهرام ، وجعلوا طول حصنها ستين ذراعا في عرض عشرين ، وعلى رأس كل باب حصن بأعلاه ، عقاب كبير من صفر وأخلاط ، قد نشر جناحيه ، وهو أجوف ، وعلى كل ركن فارس بيده حربة ، ووجهه إلى خارج المدينة ، وساق الماء إلى الباب الشرقيّ ينحدر في صبه إلى الباب الغربيّ ، ويخرج إلى صهاريج ، وكذلك من الباب الجنوبيّ إلى الشماليّ ، وقرّب للعقاب ، عقبانا ذكورا ، واجتلب الرياح إلى أفواه التماثيل ، فصار يسمع لها أصوات هائلة ، ووكل بها أرواحا تمنع الداخل إليها ، إلا أن يكون من أهلها.
ونصب العقاب الذي يتعبد له تحت القبة في وسط المدينة على قاعدة بأربعة أركان