الطبيعة في حضانة الدجاجة لبيضها ، ويخرج من تلك المعامل الفراريج ، وهي معظم دجاج مصر ، ولا يتم عمل هذا بغير مصر. وقال عمر بن ميمون : خرج موسى عليهالسلام ببني إسرائيل ، فلما أصبح فرعون أمر بشاة ، فأتى بها فأمر بها أن تذبح ، ثم قال : لا يفرغ من سلخها حتى يجتمع عندي خمس مائة ألف من القبط ، فاجتمعوا إليه ، فقال لهم فرعون : إن هؤلاء لشرذمة قليلون ، وكان أصحاب موسى عليهالسلام ستمائة ألف وسبعين ألفا.
ووصف بعضهم مصر ، فقال : ثلاثة أشهر لؤلؤة بيضاء ، وثلاثة أشهر مسكة سوداء ، وثلاثة أشهر زمردة خضراء ، وثلاثة أشهر سبيكة ذهب حمراء ، فأما اللؤلؤة البيضاء ، فإن مصر في أشهر أبيب ومسرى وبوت يركبها الماء ، فترى الدنيا بيضاء ، وضياعها على روابي ، وتلال مثل الكواكب قد أحيطت بها المياه من كل وجه ، فلا سبيل إلى قرية من قراها إلا في الزوارق ، وأما المسكة السوداء ، فإن في أشهر بابه ، وهاتور ، وكيهك ينكشف الماء عن الأرض فتصير أرضا سوداء ، وفي هذه الأشهر تقع الزراعات ، وأما الزمرذة الخضراء فإن في أشهر طوبه وامشير وبرمهات يكثر نبات الأرض ، وربيعها فتصير خضراء كأنها زمرذة ، وأما السبيكة الحمراء فإن في أشهر برمودة وبشنس وبؤنة يتورد العشب ، ويبلغ الزرع الحصاد ، فيكون كالسبيكة التي من الذهب منظرا ومنفعة ، وسأل بعض الخلفاء الليث بن سعد عن الوقت الذي تطيب فيه مصر؟ فقال : إذا غاض ماؤها ، وارتفع وباها وجف ثراها وأمكن مرعاها ، وقال آخر : نيلها عجب ، وأرضها ذهب ، وخيرها جلب ، وملكها سلب ، ومالها رغب ، وفي أهلها صخب ، وطاعتهم رهب ، وسلامهم شعب ، وحربهم حرب ، وهي لمن غلب. وقال آخر : مصر من سادات القرى ورؤساء المدن ، وقال زيد بن أسلم في قوله تعالى : (فَإِنْ لَمْ يُصِبْها وابِلٌ فَطَلٌ) [البقرة / ٢٦٥] هي : مصر إن لم يصبها مطر أزكت ، وإن أصلبها مطرا ضعفت ، قاله المسعودي في تاريخه ، ويقال : لما خلق الله آدم عليهالسلام مثل له الدنيا شرقها ، وغربها ، وسهلها ، وجبلها ، وأنهارها ، وبحارها ، وبناءها ، وخرابها ، ومن يسكنها من الأمم ومن يملكها من الملوك ، فلما رأى مصر أرضا سهلة ذات نهر جار مادّته من الجنة تنحدر فيه البركة ، ورأى جبلا من جبالها مكسوّا نورا لا يخلو من نظر الرب إليه بالرحمة في سفحه أشجار مثمرة ، وفروعها في الجنة تسقى بماء الرحمة ، فدعا آدم عليهالسلام في النيل بالبركة ، ودعا في أرض مصر بالرحمة ، والبرّ والتقوى ، وبارك في نيلها وجبلها سبع مرّات وقال : يا أيها الجبل المرحوم : سفحك جنة ، وتربتك مسكة يدفن فيها غراس الجنة أرض حافظة مطيعة رحيمة لا خلتك يا مصر بركة ، ولا زال بك حفظ ولا زال منك ملك وعزيا أرض مصر فيك الخبايا ، والكنوز ، ولك البرّ والثروة ، وسال نهرك عسلا كثر الله زرعك ، ودرّ ضرعك ، وزكى نباتك وعظمت بركتك ، وخصبت ولا زال فيك خير ما لم تتجبري وتتكبري ، أو تخوني فإذا فعلت ذلك عد النشر ، ثم يغور خيرك ، فكان آدم أوّل من دعا لها بالرحمة ، والخصب والرأفة والبركة.