ملككم ، وإن يظهروا عليه تكونوا قد كفيتموه بغيركم ، قالوا : صبأت يا أبا الوليد؟.
أخبرنا أبو العزّ بن كادش ـ إذنا ومناولة وقرأ علي إسناده ـ أنا أبو علي محمّد بن الحسين ، أنا المعافى بن زكريا (١) ، نا أبو بكر بن الأنباري ، نا محمّد بن يحيى المروزي ، نا أحمد بن أيوب ، نا إبراهيم بن سعد ، عن محمّد بن إسحاق (٢) ، عن يزيد بن زياد مولى بني هاشم ، عن محمّد بن كعب القرظي قال :
قال عتبة بن ربيعة وهو جالس في نادي قريش ، ورسول الله صلىاللهعليهوسلم منفرد ناحية ، أريد أن أقوم إلى محمّد فأعرض عليه أمرا ليكفّ عن أمره هذا ، فأيها شاء أعطيناه إذا رجع لنا عن هذا ، فقالوا له : شأنك أبا الوليد ، وكان عتبة سيدا حكيما (٣) ، فجاء إلى النبي صلىاللهعليهوسلم فقال له : يا ابن أخي إنّك منا بحيث قد علمت من السّطّة (٤) في النسب ، والمكان من العشيرة ، وإنّك قد أتيت قومك بما لم يأت أحد قومه بمثله ، سفّهت أحلامنا ، وكفّرت آباءنا ، وعبت آلهتنا ، وفرّقت كلمتنا ، فإن كان هذا لمال (٥) تبغيه جمعنا لك أموالنا حتى تكون أيسرنا ، وإن كنت تميل إلى الرئاسة رأسناك علينا ، ولم نقطع أمرا دونك ، وإن كان لرئي من الجن يعتادك أعذرنا في الجد والاجتهاد حتى ينصرف عنك ، فإن الرئي يحمل صاحبه على ما لا يصل معه إلى تركه ، ورسول الله صلىاللهعليهوسلم ساكت يسمع ، فلما سكت عتبة قال له رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «اسمع يا أبا الوليد ما أقول (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ، حم ، تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ، كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ بَشِيراً وَنَذِيراً فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ)(٦) ومضى رسول الله صلىاللهعليهوسلم في القراءة حتى انتهى إلى السجدة فسجد ، وعتبة مصغ يستمع ، قد اعتمد على يديه من وراء ظهره ، فلمّا قطع رسول الله صلىاللهعليهوسلم القراءة قال له : «يا أبا الوليد ، قد سمعت الذي قرأت عليك فأنت وذاك» ، فانصرف عتبة إلى قريش في ناديها ، فقالوا : والله لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي مضى به من عندكم ، ثم قالوا : ما وراءك يا أبا الوليد؟ فقال : والله لقد سمعت من محمّد كلاما ما سمعت مثله قط ، والله ما هو بالشعر ولا السحر ، ولا الكهانة ، فأطيعوني في هذه وأنزلوها بي ، خلّوا محمّدا واعتزلوه ، فو الله ليكوننّ لما سمعت من قوله نبأ ، فإن أصابته
__________________
(١) الخبر رواه المعافى بن زكريا في الجليس الصالح الكافي ٣ / ٣٢٨.
(٢) قارن مع سيرة ابن إسحاق ص ١٨٧ رقم ٢٦٨ وسيرة ابن هشام ١ / ٣١٣.
(٣) في م والمصادر : حليما.
(٤) السطة : الشرف.
(٥) الأصل : «المال» والتصويب عن م والجليس الصالح.
(٦) سورة فصلت ، الآيات : ١ ـ ٤.