حتى وقع في الحوض فهدمه برجله الصحيحة ، وشرب منه ، وأتبعه حمزة فضربه في الحوض فقتله ، والمشركون ينظرون على صفوفهم وهم يرون أنهم ظاهرون ، فدنا الناس بعضهم من بعض ، فخرج عتبة وشيبة والوليد حتى فصلوا من الصفّ ، ثم دعوا إلى المبارزة ، فخرج إليهم فتيان ثلاثة من الأنصار وهم بنو عفراء (١) : معاذ (٢) ومعوّذ ، وعوف ؛ بنو الحارث ، ويقال : ثالثهم عبد الله بن رواحة ، والثبت عندنا أنهم بنو عفراء (٣) ، فاستحيا رسول الله صلىاللهعليهوسلم من ذلك ، وكره أن يكون أوّل قتال لقي المسلمون فيه المشركين في الأنصار ، فأحبّ أن تكون (٤) الشوكة ببني عمه وقومه ، فأمرهم فرجعوا إلى مصافّهم وقال لهم خيرا. ثم نادى منادي المشركين : يا محمّد ، أخرج لنا الأكفاء من قومنا ، فقال لهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «يا بني هاشم ، قوموا فقاتلوا بحقكم الذي بعث الله به نبيكم ، إذ جاءوا بباطلهم ليطفئوا نور الله» ، فقام حمزة بن عبد المطلب ، وعلي (٥) ابن أبي طالب ، وعبيدة بن الحارث بن المطلب بن عبد مناف ، فمشوا إليهم ، فقال عتبة : تكلموا (٦) نعرفكم ـ وكان عليهم البيض ، فأنكروهم ـ فإن كنتم أكفاء قاتلناكم ، فقال حمزة بن عبد المطلب : أنا حمزة بن عبد المطلب أسد الله ، وأسد رسوله ، فقال عتبة : كفؤا كريم ، ثم قال عتبة : وأنا أسد الحلفاء ، من هذان معك؟ قال : علي بن أبي طالب ، وعبيدة بن الحارث ، قال : كفءان كريمان.
قال ابن أبي الزناد عن أبيه قال : لم أسمع لعتبة كلمة قط أوهن من قوله : أنا أسد الحلفاء ـ يعني حلفاء الأجمة ـ ثم قال عتبة لابنه : قم يا وليد ، فقام الوليد وقام إليه عليّ ، وكان أصغر النفر ، فاختلفا ضربتين ، فقتله علي عليهالسلام ثم قام عتبة وقام إليه حمزة ، فاختلفا ضربتين فقتله حمزة ، ثم قام شيبة وقام إليه عبيدة بن الحارث ـ وهو يومئذ أسن أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم ـ فضرب شيبة رجل عبيدة بذباب السيف ، فأصاب عضلة ساقه فقطعها ، وكرّ حمزة وعلي على شيبة فقتلاه ، واحتملا (٧) عبيدة فحازاه إلى الصفّ ومخ ساقه يسيل ، فقال عبيدة : يا رسول الله ألست شهيدا؟ قال : «بلى» ، قال : أما والله لو كان أبو طالب حيا لعلم أنا أحق بما قال منه حين يقول :
__________________
(١) ما بين الرقمين سقط من م.
(٢) بالأصل : ومعاذ ، حذفنا الواو بما وافق عبارة مغازي الواقدي.
(٣) ما بين الرقمين سقط من م.
(٤) الأصل وم : يكون.
(٥) الأصل : وكان ، والتصويب عن م ومغازي الواقدي.
(٦) الأصل : كلموا ، والمثبت عن م والواقدي.
(٧) الأصل : واحتملاه ، والتصويب عن م ومغازي الواقدي.