كنا عند أبي زرعة ورجل من أهل العراق قد جمع أحاديث من الغرائب الطنانات يسأله عنها ، وهو يجيب حتى عجز السائل وجهد أن يتوقف عن الجواب بحديث واحد ، فلم يقدر عليه ، فقال السائل : أقول في أذنك شيئا (١)؟ قال : قل ، فتقدم وأسمعه في أذنه ، فقال له أبو زرعة : الاشتغال بالعلم أولى بنا.
قال (٢) : وسمعت أبا أحمد الحافظ ـ يعني محمّد بن محمّد ـ يقول : سمعت أحمد بن خالد بن الحروري يقول : دخل أبو زرعة بغداد متوجها إلى الحجّ ، واجتمع إليه الحفّاظ يذاكرونه وهو يجيب ويغلبهم في المذاكرة ، حتى عجزوا عن مذاكرته ، فقام واحد منهم فقال في أذنه : يا دانانا وشتمه بأقبح شتمة (٣) ، فتبسّم أبو زرعة ثم قال : يا هذا اشتغل بالعلم ، فإنّ هذا بعيد مما نحن فيه.
أخبرنا أبو منصور بن زريق ، أنا ـ وأبو الحسن بن سعيد ، نا ـ أبو بكر الخطيب (٤) ، أنا أبو سعد الماليني ـ قراءة.
ح وأنا أبو القاسم إسماعيل بن أحمد ، أنا أبو القاسم إسماعيل بن مسعدة ، أنا أبو القاسم السهمي.
قالا : نا عبد الله بن عدي الحافظ ، قال : سمعت محمّد بن إبراهيم المقرئ يقول : سمعت فضلك الصّائغ يقول : دخلت المدينة فصرت إلى باب أبي مصعب ، فخرج إليّ شيخ (٥) مخضوب ، وكنت أنا ناعسا ، فحركني فقال لي : يا مردريك (٦) من أين أنت؟ أي شيء تنام (٧)؟ فقلت : أصلحك الله ، من الري ، من بعض شاكردي (٨) أبي زرعة ، فقال : تركت أبا زرعة وجئتني؟ لقيت مالك بن أنس وغيره ، فما رأت عيناي مثله.
وقال أيضا (٩) : سمعت فضلك الصائغ يقول : دخلت على الربيع بمصر ، فقال لي : من أين أنت؟ قلت : من أهل الري ، أصلحك الله ، من بعض شاكردي أبي (١٠) زرعة (١١) ، فقال :
__________________
(١) الأصل وم : شيء ، والتصويب عن تهذيب الكمال.
(٢) تهذيب الكمال ١٢ / ٢٢٨ ـ ٢٢٩.
(٣) الأصل وم ، وفي تهذيب الكمال : شتيمة.
(٤) الخبر في تاريخ بغداد ١٠ / ٣٣٠ وسير أعلام النبلاء ١٣ / ٧٣ ـ ٧٤.
(٥) الأصل : الشيخ ، والمثبت عن م والمصادر.
(٦) مردريك : الشاب أو الفتى.
(٧) عن م والمصادر ، وبالأصل : بنام.
(٨) شاكردي : التابع والتلميذ.
(٩) تاريخ بغداد ١٠ / ٣٣٠ وسير أعلام النبلاء ١٣ / ٧٤ وتهذيب الكمال ١٢ / ٢٢٦.
(١٠) بالأصل وتاريخ بغداد : «أبو» والمثبت عن م.
(١١) من قوله : أصلحك ... إلى هنا سقط من سير أعلام النبلاء.