أن عمرو بن العاص لما انتصف النهار من يوم صفّين جلس في رواق ، فكان أهل العراق يدفنون قتلاهم ، وأهل الشام يحملون قتلاهم في الأكسية والعبا فيدفنونهم ، فكلّ ما مرّ برجل قال : من هذا؟ فيقولون له : فلان ، فقال عمرو : كم من رجل أخشن في الله عظيم الحال لم ينج من قتله فلان وفلان.
قال مالك : وحدّثني زيد بن أسلم أن رجلا ضرب طنب فسطاط له بأوتاد ، فعجزت الأوتاد ، فأخذ رجل عبيد الله بن عمر بن الخطّاب فربطه برجله حتى أصبح ، وذلك ليلة صفّين.
أخبرنا أبو عبد الله البلخي ، أنا أبو غالب الباقلاني ، أنا أبو علي بن شاذان ، أنا أحمد بن إسحاق بن نيخاب ، نا إبراهيم بن الحسين بن علي ، نا يحيى بن سليمان الجعفي قال : وحدّثني عبيد الله بن وهب ، نا مالك بن أنس ، حدّثني زيد بن أسلم.
أن عبيد الله بن عمر قتل يومئذ وأن رجلا ضرب أطناب فسطاطه بأوتاد ، فعجزت أوتاده فأخذ رجل عبيد الله بن عمر فربطه برجله حتى أصبح.
قال : ونا نصر (١) ، نا عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن الشعبي ، عن صعصعة بن صوحان قال :
فأصيب ذو الكلاع وعبيد الله بن عمر يومئذ ، قال الشعبي : ففي ذلك يقول كعب بن جعيل التغلبي (٢) في قتل عبيد الله (٣) :
ألا إنما تبكي العيون لفارس |
|
بصفين ولّت (٤) خيله وهو واقف |
تبدل من أسماء أسياف وائل |
|
وكان فتى لو أخطأته المتالف |
تركن عبيد الله بالقاع مسلما |
|
يمج دما والعروق نوازف (٥) |
ينوء وتغشاه شآبيب من دم |
|
كما لاح من جيب القميص الكفائف |
دعاهن فاستسمعن (٦) من أين صوته |
|
فأقبلن شتّى والعيون ذوارف |
__________________
(١) وقعة صفين لنصر بن مزاحم ٢٩٨.
(٢) الأصل وم : الثعلبي ، والمثبت عن وقعة صفين والفتوح.
(٣) الأبيات في وقعة صفين ص ٣٠٠ والفتوح لابن الأعثم بتحقيقنا ٣ / ١٣٠ وانظر الطبري ٦ / ٢٠ والأخبار الطوال ص ١٧٨.
(٤) في المصادر : أجلت.
(٥) الطبري : تمج دم الخرقى والعروق الذوارف.
(٦) الضمير في دعاهن فاستسمعن يرجع إلى نساء عبيد الله ، وقد مرّ أن عبيد الله أخرج معه نساءه إلى الحرب (ابن أبي الحديد : شرح النهج ١ / ٤٩٩).