قال : أمير المؤمنين ساخط عليك ، وأنت تدخل عليّ؟ قلت : قد دخلت دارك وصرت في جوارك ، ووقعت عينك عليّ ، فأجرني أجارك الله ، فنكس رأسه ساعة ثم دعا بقهرمان له ، فقال : أنزل هذا عندك وأحسن إليه ، إلى أن شفع لي إلى عبد الملك ، فأمنني وقال لي : والله لا أخذت لي عطاء ، قال : فقلت لعبد الله بن جعفر : ما ينفعني أماني وقد تركني حيا كميت ، لا آخذ من الناس عطاء ، قال : فقال عبد الله بن جعفر : كم بلغت من السن؟ قلت : ستين سنة ، قال : فعمّر نفسك ما شئت ، قلت : عشرين سنة أخرى ، قال : فكم عطاؤك؟ قلت : ألفا درهم في كلّ سنة ، قال : فأمر له بأربعين ألف درهم معجّلة ، وقال : هذا عطاؤك حتى تموت.
قرأت بخط أبي الحسن رشأ بن نظيف ، وأنبأنيه أبو القاسم العلوي ، وأبو الوحش المقرئ عنه ، أنا أبو الفتح إبراهيم بن علي بن إبراهيم ، نا أبو بكر محمّد بن يحيى بن العباس الصّولي ، نا أبو العيناء قال :
مدح عبيد الله بن قيس الرقيّات مصعب بن الزبير فقال :
إنّما مصعب شهاب من الله |
|
تجلّت عن وجهه الظّلماء |
قال : لما قتل عبد الله ومصعب ابنا الزبير هرب عبيد الله بن قيس إلى عبد الله بن جعفر بن أبي طالب ، فسأله أن يجيره من عبد الملك وقد كان نذر دمه ، فقال عبد الله بن جعفر : أنا أدخلك عليه وأحضرك طعامه ، فكل أكلا يستشنعه ، ففعل ذلك فقال عبد الملك : يا أبا جعفر من هذا الرجل؟ بعد ما استشنع أكله ، قال : يا أمير المؤمنين هذا أكذب الناس إن قتل هذا الذي يقول :
ما نقموا من بني أمية إلّا |
|
أنّهم يحلمون إن غضبوا |
فقال عبد الملك : قد أزلت عنه القتل ولكني لا أعطيه رزقا ما دمت في الدنيا ، فقال عبد الله بن جعفر لا بن قيس : أنا أعطيك الرزق موفرا ، فلم يزل يقيمه له.
وقيل : إن عبد الله بن جعفر قال له : كم تؤمّل أن تعيش؟ قال : عشرين سنة ، قال : فأنا أدفع في هذا الوقت رزق عشرين سنة ، ففعل ، فقال عبد الله بن قيس يمدحه (١) :
تقدّت (٢) بي الشّهباء نحو ابن جعفر |
|
سواء عليها ليلها ونهارها |
__________________
(١) الأبيات في ديوانه ط بيروت ص ٨٢ والأغاني ٥ / ٨٠ وبعضها في الشعر والشعراء ص ٥٤٠.
(٢) تقدت : أي سارت سيرا ليس بعجل ولا مبطئ. قال الزبير : وهذا البيت مما عيب على ابن قيس ، لأنه نقض صدره بعجزه فقال في أوله : إنه سار سيرا بغير عجل ثم قال : سواء عليها ليلها ونهارها ، وهذا غاية الدأب في السير. (قاله في الأغاني ٥ / ٨٧).