ثم عدت إلى قيسارية (١) فرأيت الروم في هرج ومرج. فسألت عن أحوالهم ، فقيل قد ظهر نبي في الحجاز اسمه محمد بن عبد الله ، وقد أخرجه قومه من مكّة ، وقد أتى إلى المدينة ، فما زلت أسأل عن أخباره وهي في كل يوم تنمو وتزيد حتّى مات ... فقال له يوقنا : وما الذي عزمت عليه؟ قال : عزمت والله أن أفارق قومي وأتبعكم ... وقال ليوقنا : اعلم إن مفاتيح أبواب المدينة عندي والعسكر خارج المدينة مشتغل بقتال العرب ، وليس في المدينة من يخاف جانبه ، فانهض على اسم الله ، فقال يوقنا : جزاك الله خيرا.
فقال باسيل : سأفعل ذلك ثم أنه خرج في حال الخفاء وفتح باب البحر ومعه رجل من بني عم يوقنا وركبا زورقا حتّى وصلا إلى البحر والمراكب ، وحدّثاهم بما قد كان ، فأقبل كلّ مركب برجاله إليهما وساروا إلى أن نزل الجميع وحصلوا داخل المدينة أعني مدينة صور وأعمى الله أبصار الكفّار ، فلمّا همّوا أن يثوروا قال يوقنا : ليس هذا من الرأي وأين من ... يدور إلى عسكر المسلمين ويتوصّل إلى أميرهم ويعلمه بما كان منّا ، فقال رجل من القوم : أنا أكون ذلك الرجل ، ثم خرج متنكرا ، وأغلق باسيل خلفه ، ووصل إلى يزيد بن أبي سفيان ، وحدّثه بالأمر على حقيقته.
وأما يوقنا رحمهالله ، فلمّا علم أن الخبر وصل إلى المسلمين قال لأصحابه ؛ ليصعد منكم خمسمائة رجل إلى السور ويقتلوا من عليه ، قال باسيل : ليس هذا رأيا فإن العوام لا اعتبار لهم ولعلّ الله أن يهديهم إلى الإسلام ، ولكن مر أصحابك أن يلزموا مطالع السور حتى لا ينزل أحد منهم
__________________
(١) قيسارية : مدينة ساحلية في فلسطين.