المحبة ، اجهد بدنك ، واحذر الخلاف في اتباع الهوى بحبّ دار أبغضتها وحذّرتكها ، وأخرج قلبك منها ، وكن فيها حذرا ، فإنّ متاعها قليل ، والعيش فيها قصير ، وتقرّب إليّ ببغضها وبغض أهلها ، وكن متحرزا منها ومن أهلها ، وقف بين يديّ مقام من أسقط نفسه وحيلته وتعلّق بمالكه.
أخبرنا أبو الحسن عبد الغافر بن إسماعيل الفارسي في كتابه ، أنبأنا أبو بكر المزكي ، أنبأنا أبو عبد الرّحمن السّلمي قال : سمعت أبا بكر محمّد بن عبد الله يقول : سمعت أبا الحارث الأولاسي يقول :
رأيت النبي صلىاللهعليهوسلم في النوم كأنه معرض عني ، فقلت : ما أعرضك عني؟ بأبي وأمي ، فقد فهمت عنك ما أمرتني ولكن أخاف أن أكون قد حرمت التوفيق ، فقال : لا ، ولكن ليس ثم داعية تحركك لطلب ، ولا رهبة تقلقك لهرب ، فأنت بين الآمال الكاذبة متردد حيران قد أطلت الأمل وسوّفت العمل. قلت : فمن الآن فأوصني فقال : عليك بالقلّة ووار (١) شخصك ، وكن حلسا من أحلاس بيتك ، فقد أمسى وأصبح كثير من الناس في أمر مريج (٢) وإنك إن تتبع أهواءهم وتلتمس رضاهم يضلّك عن سبيل ربك ، وهو الخسران المبين.
أنبأنا أبو الفرج غيث بن علي ، أنبأنا سهل بن بشر ، أنبأنا أبو عبد الله الحسين (٣) بن عبد الكريم الجزري ـ بمكة (٤) ـ أنبأنا أبو الحسن علي بن عبد الله بن جهضم ، حدّثنا أبو الحسن محمّد بن أحمد الورّاق ، حدّثنا الحسن بن علي بن خلف ، عن أبي الحارث الأولاسي (٥) قال :
رأيت في المنام كأني في صحراء بين جبال وكأن مناديا ينادي : الباب ، الباب ، الباب ـ من وراء تلك الجبال ـ أيها الناس هلمّوا وأسرعوا ، فإنّا نريد غلق الباب ، والناس فيما هم فيه من الشغل والضّجّة ما يشعرون (٦) بالنداء إلّا نفر يسير ، خيل ورجّالة ، فجعلوا يسعون ويركضون نحو النداء ، وقيّض الله تعالى لي فرسا عربيا فركبته ، وجعل يجري بي أشد جري ،
__________________
(١) كذا بالأصل وم وز ، وفي المختصر : ووان.
(٢) بدون إعجام بالأصل ، والإعجام عن م وز. والأمر المريج : المضطرب ، والقلق.
(٣) مرّ قريبا في «ز» : «الحسن» وجاء فيها هنا مثل الأصل وم : الحسين.
(٤) أقحم بعدها بالأصل : «أنبأنا أبو الحسن بن عبد الكريم الجزري بمكة».
(٥) في «ز» : «الأوسي» تصحيف.
(٦) كذا بالأصل ، وم ، وز : «يشعرون» والوجه : يشعر.