فعزما على أن لا يتناولا (١) شيئا مسّته أيدي بني آدم ولا ما للخليقة فيه صنع.
قال أبو الحارث الأولاسي : فقلت : وأنا معكما؟ فقالا : إن شئت ، فخرجنا من طرسوس وجئنا إلى جبل لكام (٢) ، فأقمنا فيه ما شاء الله تعالى ، قال أبو الحارث : أما أنا فضعفت نفسي ، وقام العلم بين عيني لئن متّ على ما أنا عليه متّ ميتة جاهلية ، فتركت صاحبي ورجعت إلى طرسوس ولزمت ما كنت أعرفه من صلاح نفسي ، وأقام [صاحباي](٣) باللكام سنة ، فلما كان بعد مدة دخلت المسجد فإذا أنا بأحد الفتيين جالسا في المسجد ، فسلّمت عليه ، فقال : يا أبا الحارث خنت الله تعالى عهدك ، ولم تف به ، أما إنك لو صبرت معنا أعطيت ثلاثة أحوال ، وقد أعطينا ، فقلت : وما الثلاثة؟ قال : طيّ الأرض ، والمشي على الماء ، والحجبة إذا أردنا ، واحتجب عني عقيب كلامه ، فقلت : بالذي أوصلك إلى ما قد رأيت إلّا ظهرت لي حتى أسألك عن مسألة فظهر لي ، وقال : سل يا أبا الحارث وأوجز ، فقلت له : كيف لي بالرجوع إلى هذه الحالة؟ ترى إن رجعت قبلت؟ فقال : هيهات يا أبا الحارث ، بعد الخيانة لا تقبل الأمانة فكوى قلبي بكيّة ، لا تخرج من قلبي حتى ألقى الله عزوجل.
أخبرنا أبو المظفّر بن القشيري ، أنبأنا أبي الأستاذ أبي القاسم (٤) قال : سمعت الشيخ أبا عبد الرّحمن السلمي يقول : سمعت محمّد بن عبد الله بن شاذان يقول : سمعت أبا بكر النهاوندي يقول : سمعت عليا السائح يقول : سمعت أبا الحارث الأولاسي يقول :
رأيت إبليس في المنام على بعض سطوح أولاس ، وأنا على سطح وعلى يمينه جماعة ، وعلى يساره جماعة وعليهم ثياب لطاف (٥) ، فقال لطائفة منهم : قولوا ، فقالوا وغنوا فاستفرغني طيبه ، حتى هممت أن أطرح نفسي من السطح ، ثم قال : ارقصوا فرقصوا أطيب ما يكون ، ثم قال لي : يا أبا الحارث ما أصبت شيئا أدخل به عليكم إلّا هذا.
قال القشيري : وقال أبو الحارث الأولاسي مكثت ثلاثين سنة ما يسمع لساني إلّا من سري ، ثم تغيّرت الحال فمكثت ثلاثين سنة لا يسمع سري إلّا من ربّي.
__________________
(١) بالأصل : «بتا» خطأ ، والتصويب عن «ز» ، وم.
(٢) جبل لكام : هو الجبل المشرف على أنطاكية وبلاد ابن ليون والمصيصة وطرسوس (راجع معجم البلدان).
(٣) ما بين معكوفتين سقط من الأصل واستدرك للإيضاح عن «ز» ، وم.
(٤) الخبر في الرسالة القشيرية ص ٣٤٩ (ط بيروت).
(٥) كذا بالأصل وم وز ، وفي الرسالة القشيرية : ثياب نظيفة.