كتب مسلمة بن عبد الملك وهو بالقسطنطينة (١) إلى أبيه :
أبلغ أمير المؤمنين بأننا |
|
سوى ما يقول القلبي الصمحمح |
أكلنا لحوم الخيل رطبا ويابسا |
|
فأكبادنا من أكلنا الخيل تقرح |
ونحسبها حول الطوانة طلّعا |
|
وليس لها حول الطوانة مسرح |
فليت الفزاري الذي غش نفسه |
|
وغش (٢) أمير المؤمنين يسرّح |
أرقت وصحراء الطوانة فنزلي |
|
لبرق تلألأ نحو عمرة يلمح |
أزاول أمرا لم يكن ليطيقه |
|
من القوم إلا الفتى الصمحمح |
فكتب القعقاع بن خليد العبسي إلى عبد الملك :
وكان أصابتهم مجاعة حتى أكلوا الخيل ، فكتم ذلك مسلمة بن عبد الملك ، وكتب مع رجل من بني فزارة ، فذلك معنى قوله :
فليت الفزاري الذي غشّ نفسه.
قال القاضي (٣) : القلّبي : الذي يعرف تقلّب الأمور ويتدبرها ، ويتصفحها فيعلم مجاريها ، يقال : : رجل : قلّبي حوّلي : ؛ لمحاولته وتقليبه ، واعتباره وتدبّره ، ويقال أيضا : حوّل قلّب ، كما قال الشاعر :
حوّل قلّب معنّ مغن |
|
كلّ داء له لديه دواء |
وقوله الصمحمح : أراد به وصفه بالشدّة والقوة ، وبيّن أهل العلم بكلام العرب اختلاف في معنى الصمحمح من جهة اللغة وفي وزنه من الفعل على الطريقة القياسية ، فأما اللغويون فاختلفوا في معناه ، فذهب سيبويه ومن قال بقوله : إنه الشديد الغليظ القصير وهو صفة ، ويقال أيضا للغليظ الشديد : دمكمك. وقال أبو عمرو الشيباني : الصمحمح : المحلوق الرأس وأنشد :
صمحمح قد لاحه الهواجر
وقد قال أبو العباس أحمد بن يحيى : الصمحمح : الأصلع ، واختلف النحويون في
__________________
(١) كذا بالأصل وم ، وفي «ز» ، والجليس الصالح : القسطنطينية.
(٢) في الجليس الصالح : وخان.
(٣) هو المعافى بن زكريا الجريري ، القاضي ، صاحب كتاب الجليس الصالح الكافي.