قال : أنا لم أفارقه طائعا ، هو عزلني ، فأرسلت إليه : إنّي سأكتب إلى علي في أمرك ، وراح قيس إليها فأخبرها الخبر ، فكتبت إلى علي تخبره بنصيحة قيس وأبيه في القديم والحديث ، وتلومه على ما صنع ، فكتب علي إلى قيس يعزم عليه إلّا لحق به ، فقال : والله ما أخرج إليه إلّا استحياء ، وإنّي لأعلم أنه مقتول ، معه جند سوء لا نية لهم ، فقدم على علي ، فأكرمه ، وحباه.
قال (١) : وأنبأنا محمّد بن عمر ، حدّثني سعيد بن راشد ، عن عبد العزيز بن سعيد بن سعد بن عبادة ، قال : وحدّثني معمر عن الزهري (٢) ، قالا :
لما قدم قيس بن سعد المدينة تؤامر فيه الأسود بن أبي البختري ، ومروان بن الحكم أن يبيّتاه فيمن معهما ، وبلغ ذلك قيسا فقال : والله إنّ هذا لقبيح (٣) أن أفارق عليا وإن عزلني ، والله لألحقنّ به ، فلحق بعلي بالعراق ، فكان معه وأخبره قيس بخبره وما كان يعمل بمصر ، فعرف عليّ أن قيسا كان يداري أمرا عظيما من المكيدة التي قصر عنها رأي غيره ، وأطاع علي قيسا في الأمر كله ، وجعله مقدمة أهل العراق على شرطة الخميس الذين كانوا يبايعون للموت ، فكتب معاوية بن أبي سفيان إلى مروان بن الحكم والأسود بن أبي البختري يتغيظ عليهما وأنّبهما أشدّ التأنيب ، وقال : أمددتما عليا بقيس بن سعد وبرأيه ومكيدته؟ والله لو أمددتماه بمائة ألف مقاتل ، ما كان أغيظ لي من إخراجكما قيس بن سعد.
أخبرنا أبو عبد الله البلخي ، أنبأنا أبو الحسن علي بن الحسن (٤) ، أنبأنا أبو علي بن شاذان ، أنبأنا أحمد بن إسحاق بن نيخاب ، حدّثنا إبراهيم بن الحسين بن علي ، حدّثنا يحيى ابن سليمان الجعفي ، حدّثني عبد الرّحمن بن زياد ، حدّثنا أبو عبد الله اليماني ـ رجل من تجار اليمن ـ عن معمر ، عن الزهري.
أن عليا كان بعث مالك بن الحارث النخعي على مصر عاملا عليها ، فلمّا كان بالعيلق أربعين شمس شرب شربة من عسل ، فقتلته ، فبعث علي بعد الأشتر محمّد بن أبي بكر على مصر مكان الأشتر وعليها قيس بن سعد بن عبادة ، وكان عاملا لعلي على مصر قبل الأشتر ، فلمّا قدم محمّد على قيس بن سعد أخبره أنه قد حول ـ يعني ـ عزل ، وأنه بعث مكانه ، فقال له
__________________
(١) القائل : محمد بن سعد.
(٢) من طريق الزهري رواه الذهبي في سير أعلام النبلاء ٣ / ١١٠.
(٣) بالأصل وم : «لقبيحا» خطأ.
(٤) بالأصل وم : الحسين.