فلما ورد كتاب قيصر على معاوية أهمّه وشاور فيه أصحابه فقيل له : أما الأيّد فادع لمناهضته إما محمّد بن الحنفية وإما عبد الله بن الزبير ، فقال : إذا كان الأمر هكذا فالمنافي (١) أحبّ إلينا ، فأحضر محمّد بن علي والأيّد الرومي حاضر ، فأخبره بما دعاه له ، فقال محمّد للرومي : ما تشاء؟ فقال : يجلس كلّ واحد منا ويدفع يده إلى صاحبه ، فمن قلع صاحبه من موضعه أو رفعه عن مكانه فقد فلح عليه ، ومن عجز عن ذلك وقهره صاحبه قضي بالغلبة له ، فقال محمّد : هذا لك ، فاختر أينا يبدأ بالجلوس ، فقال له : اجلس أنت ، فجلس وأعطاه يديه ، فجعل يمارسه ويجتهد في إزالته عن موضعه فلم يتحرك محمّد ، وظهر (٢) عجز الرومي لمن حضر ، فقال له محمّد : اجلس الآن ، فجلس وأخذ بيده فما لبث أن اقتلعه ورفعه في الهواء ثم ألقاه على الأرض.
فسرّ معاوية وحاضروه من المسلمين. وقال معاوية لقيس بن سعد والرومي الطوال : تطاولا ، فقال قيس : أنا أخلع سراويلي ويلبسها هذا العلج فإنّ ما بيننا ببين بذلك ، ثم خلع سراويله وألقاها إلى الرومي فلبسها ، فبلغت ثدييه وانسحب بعضها في الأرض ، فاستبشر الناس بذلك ، وجاءت الأنصار إلى قيس فقالت له : تبذّلت بين يدي معاوية ولو كنت مضيت إلى منزلك وبعثت بالسراويل إليه ، فقال :
أردت لكيما يعلم الناس أنها |
|
سراويل قيس والوفود شهود |
وأن لا يقولوا غاب قيس وهذه |
|
سراويل عاديّ نمته ثمود |
وإنّي من القوم الثمانين (٣) سيّد |
|
وما الناس إلّا سيّد ومسود |
وفضّلني في الناس أصلي ووالدي |
|
وباع به أعلو الرجال مديد |
أخبرنا أبو القاسم بن السّمرقندي ، أنبأنا أبو الحسين بن النقور ، أنبأنا عيسى بن علي ، أنبأنا عبد الله بن محمّد قال : وقال محمّد بن عمر :
لم يزل قيس بن سعد مع علي بن أبي طالب حتى قتل علي ، فرجع قيس إلى المدينة ، فلم يزل بها حتى توفي في آخر خلافة معاوية بن أبي سفيان ، وكان يكنى أبا عبد الملك.
__________________
(١) رسمها بالأصل : «؟؟؟» والمثبت عن م والجليس الصالح.
(٢) كلمة «ظهر» كتبت فوق الكلام بالأصل ، بين السطرين.
(٣) كذا بالأصل وم ، وفي الجليس الصالح : «اليمانين» وقد مر في الرواية السابقة : اليماني.