وصواب النظر. فان الملك اذا كان عادلا شمل الاقساط جميع أفعاله ، وعم الصواب كل احواله واستقامت الخلال المحمودة التي تكون معه حتى لا يجري شيء منها على سرف ولا تكثير ، ولا نقص ولا تقصير والشح ، من الخلال المذمومة ، التي لعلها تعرض (١) له حتى يخلو منها ، أو من أكثرها بمعاتبته نفسه عليها ، ونهيه لها عنها وقد يستغنى الملك اذا كان عادلا من ان يكون رحيما لان الرحمة انما هي تركيب في خلق النفس من ود وجزع ، فاذا عدل الملك حتى لا يضع عقوبته الا في حقها ، كانت الرحمة ناقصة منها ، وعاد ذلك بالضرر في التدبير. ومما يحتاج الملك أن يكون متطلبا له ، وناظرا فيه ، سير من تقدمه من الملوك ليقبل (٢) أفعال من حمدت أفعاله ، وكانت متصفة بالسداد أحواله ويتجنب سيرة من ذمت سيرته ، ولم يكن ممن ترتضى طريقته ، ويحتاج الملك أن يخلوا من خلال في كونها معه ضرر عليه في ذات نفسه ، وفي تدبير رعيته ، ومصالح مملكته منها اللجاج والمحك فانهما لا يكونان الا في الطباع الرديئة ، ومن الخلائق الدنيئة ، وهما مع هذا يعوقان مجارى الرأى عن (٣) الانبعاث. ومنها البذخ ، فانه تابع أبدا لصغر الهمة ، ومنها التهاون بالامور فان اليسير في ذلك ينتج كثيرا من الخطأ وعظيما من البلاء.
وقد ذكر مروان بن محمد : وكان من أكابر ملوك بني أمية وشجعانهم ، وذوي الرأي والسياسة منهم ؛ لما دفع الى ملك قد وهت قواه وانتفضت عداه باهمال المضيعين وتقصير المترفين ، فأخذ يروم تلافيه وقد عسر ، وتقصد لرتقه وقد زاد الخرق واتسع وباشر من حرب المسودة (٤) ما اشتد عليه حتى انهزم فلجأ في انهزامه
__________________
(١) في س : يعرض.
(٢) في س : ليقتل.
(٣) في س : من.
(٤) يقصد بهم (العباسيون) لانهم اتخذوا اللون الاسود شعارا لهم.