ادّعى رجل النبوة أيام محمّد بن سليمان فأدخل إليه وهو مقيّد فقال له : أنت نبي؟ قال : نعم ، قال : مرسل؟ قال : أنا الساعة موثق ، قال : ويلك من (١) غرك؟ قال له : أبهذا أيها الجاهل تخاطب الأنبياء؟ والله لو لا أنّي موثق لأمرت جبريل أن يدمدمها عليكم ، قال له : الموثق لا يجاب ، قال : أجل الأنبياء خاصة إذا قيّدت لم يرتفع دعاؤها ، فضحك منه محمّد ابن سليمان ثم قال له : متى قيّدت؟ قال : اليوم ، قال : ومن قيّدك؟ قال : خليفتك ، قال : فنحن نطلقك ، وتأمر جبريل فإن أطاعك آمنا بك ، قال : صدق الله حيث يقول (٢) : فلا وربك لا يؤمنون حتى يروا العذاب الأليم فإن شئت فافعل ، فأمر بإطلاقه ، فلما وجد رائحة العافية قال : يا جبريل ، ومدّ بها صوته ، ابعثوا من شئتم فليس بيني وبينكم عمل ، هذا محمّد بن سليمان في عشرين ألفا ، وغلته مائة درهم في كل يوم ، وأنا وجدّي ما ذهب لكم في حاجة إلّا كشخان.
أنبأنا أبو محمّد هبة الله بن أحمد ، وعبد الله بن أحمد بن عمر ، قالا : أنبأنا أبو بكر الخطيب (٣) ، أنبأنا أبو الحسن بن رزقوية ، أنبأنا عثمان بن أحمد الدقّاق ، حدّثنا أحمد بن محمّد بن مسروق الطوسي (٤) ، حدّثنا محمّد بن عبد الرّحمن ، أخبرني سعيد بن عامر قال : كان والي البصرة محمّد بن سليمان ، فكان كلّما صعد المنبر أمر بالعدل والإحسان ، فاجتمع قوم من نسّاك أهل البصرة فقالوا : ما ترون ما نحن فيه من هذا الظالم الجائر وما يأمر به؟! فأجمعوا على أن ليس له إلّا أبو سعيد الضّبعي ، فلمّا كان يوم الجمعة احترشوا (٥) أبا سعيد الضّبعي ، فكان يصلّي ولا يتكلم حتى يحرّك ، فلمّا تكلم محمّد بن سليمان حركوه فقالوا له : يا أبا سعيد ، محمّد بن سليمان يتكلم على المنبر يأمر بالعدل والإحسان. فقام فقال : يا محمّد ابن سليمان إنّ الله يقول في كتابه : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ)(٦) يا محمّد بن سليمان ، إنه ليس بينك وبين أن تتمنى أن لم تخلق إلّا أن يدخل ملك الموت من باب بيتك ، قال : فخنقت محمّد بن سليمان العبرة ، فلم يقدر
__________________
(١) اللفظة مطموسة في «ز».
(٢) في د : حيث يقول فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم.
(٣) في «ز» : أبو بكر أحمد بن علي الخطيب.
(٤) كذا بالأصل ود ، وفي «ز» : الأوسي.
(٥) في د : «احتشوا» وفي «ز» : «احتوشوا» تصحيف ، يقال حرش الضب يحرشه حرشا واحترشه وتحرشه وتحرش به ، أتى قفا جحره فقعقع بعصاه ليخرج مقاتلا.
(٦) سورة الصف ، الآيتان ٢ و ٣.