٩٣ـ باب القدر والمنزلة بين المنزلتين
سألت العالم عليه السلام : أجبر الله العباد على المعاصي ؟
فقال : الله أعدل من ذلك ١.
فقلت له : ففوض إليهم ؟
فقال : هو أعز من ذلك.
فقلت له : فتصف لنا المنزلة بين المنزلين ؟
فقال : أجبر هو الكره ، فالله ـ تبارك وتعالى ـ لم يُكره على معصيته ، وإنما لجبر أن يجبر الرجل على ما يَكْره وعلى ما لا يشتهي ، كالرجل يغلب على أن يضرب أو يقطع يده ، أو يؤخذ ماله ، أو يغضب على حرمته ، أو من كانت له قوة ومنعة فقهر ، وأما من أتى إلى أمر طائعاً محباً له ، يعطي عليه ماله لينال شهوة ، فليس ذلك بجبر ، إنما الجبر من أكرهه عليه ، أو أغضبه حتى فعل ما لا يريد ولا يشتهيه ، وذلك أن الله ـ تبارك تعالى ـ لم يجعل له هوى ولا شهوة ولا محبة ولا مشيئة ، إلا فيما علم أن كان منهم ، وإنما يجزون في علمه وقضائه وقدره ، على الذي في علمه وكتابة السابق فيهم قبل خلقهم ، الذي علم أنه غير كائن منهم ، هو الذي لم يجعل لهم فيه شهوة ولا إرادة.
وأروي عن العالم عليه السلام ، أنه قال : منزلة بين منزلتين في المعاصي وسائر الأشياء ، فالله ـ جل وعز ـ الفاعل لها ، والقاضي ، والمقدر ، والمدبر.
وقد أروي أنه قال : لا يكون المؤمن مؤمنا حقاً ، حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن
__________________
١ ـ التوحيد : ٣٦٢ / ١٠ باختلاف يسير.