١٠٢ ـ باب التواضع والزهد
أروي عن العالم عليه السلام أنه قال : إن الدنيا قد ترحلت مدبرة ، وإن الآخرة قد ترحلت مقبلة ، ولكل واحدة منهما فكونوا من أبناء الاخرة ، ولا تكونوا من أبناء الدنيا ، وكونوا من الزاهدين في الدنيا ، الراغبين في الآخرة ، لأن الزاهدين اتخذوا الأرض بساطاً ، والتراب فراشاً ، والماء ، طيباً ، وقرضوا الدنيا تقريضاً.
ألا ، من اشتاق إلى الجنة سلا عن الشهوات ، ومن أشفق من النار رجع عن المحرمات ، ومن زهد في الدنيا هانت عليه المصيبات.
ألا ، إن الله تعالى عباداً ، شرورهم مأمونة مخزونة ، أنفسهم عفيفة ، وحوائجهم خفيفة ، صبروا أياماً فصارت لهم العقبى راحة طويلة ، [ أمّا ] ١ آناء الليل فصافون على أقدامهم ، وآناء النهار فخلصوا محلصا وهم عابرون يسعون في فكاك رقابهم ، بررة أتقياء ، كأنهم القداح ٢ ، ينظر إليهم الناظر فيقول : مرضى ٣.
وروي عن المسيح عليه السلام ، أنه قال للحواريين : أكلي ما تنبته الأرض للبهائم ، وشربي ماء الفرات بكفي ، وسراجي القمر ، وفراشي التراب ، ووسادتي المدر ، ولبسي الشعر ، ليس لي ولد يموت ، ولا امرأة تحزن ، ولا بيت يخرب ، ولا مال يتلف ، فأنا أغنى ولد آدم ٤.
وأروي عن العالم عليه السلام ، أنه سئل عن قول الله تبارك وتعالى : ( وَكَانَ
__________________
١ ـ أثبتناه من البحار ٧٠ : ٣١٤ / ١٩.
٢ ـ القِداح : جمع قدح وهو السهم ، وهذا كناية عن نحافة اجسامهم وضعفها ، انظر « الصحاح ـ قدح ـ ١ : ٣٩٤ ».
٣ ـ الكافي ٢ : ١٠٧ / ١٥ باختلاف يسير.
٤ ـ مشكاة الأنوار : ١٢٧ باختلاف يسير.