وقال العرب : منا ظعن ومنا أقام ، يريد : منا فريق ظعن ومنا فريق أقام. وقال الزمخشري : وما منا أحد إلا له مقام معلوم ، حذف الموصوف وأقام الصفة مقامه ، كقوله :
أنا ابن جلا وطلاع الثنايا
بكفي كان من أرمي البشر
انتهى. وليس هذا من حذف الموصوف وإقامة الصفة مقامه ، لأن أحدا المحذوف مبتدأ. وإلا له مقام معلوم خبره ، ولأنه لا ينعقد كلام من قوله : وما منا أحد ، فقوله : (إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ) هو محط الفائدة. وإن تخيل أن (إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ) في موضع الصفة ، فقد نصوا على أن إلا لا تكون صفة إذا حذف موصوفها ، وأنها فارقت غير إذا ؛ كانت صفة في ذلك ، ليتمكن غيره في الوصف وقلة تمكن إلا فيه ، وجعل ذلك كقوله : أنا ابن جلا ، أي ابن رجل جلا ؛ وبكفي كان ، أي رجل كان ، وهذا عند النحويين من أقبح الضرورات. (وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ) : أي أقدامنا في الصلاة ، أو أجنحتنا في الهواء ، أو حول العرش داعين للمؤمنين. وقال الزهراوي : قيل إن المسلمين إنما اصطفوا في الصلاة منذ نزلت هذه الآية ، ولا يصطف أحد من الملل غير المسلمين. (وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ) : أي المنزهون الله عن ما نسب إليه الكفرة ، أو المنزهون بلفظ التسبيح ، أو المصلون. وينبغي أن يجعل قوله : (سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يَصِفُونَ) من كلام الملائكة ، فتطرد الجمل وتنساق لقائل واحد ، فكأنه قيل : ولقد علمت الملائكة أن ناسبي ذلك لمحضرون للعذاب ؛ وقالوا : سبحان الله ، فنزهوا عن ذلك واستثنوا من أخلص من عباد الله ؛ وقالوا للكفرة : فإنكم وآلهتكم إلى آخره. وكيف نكون مناسبيه ، ونحن عبيد بين يديه ، لكل منا مقام من الطاعة؟ إلى ما وصفوا به أنفسهم من رتبة العبودية. وقيل : (وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ) ، هو من قول رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، أي وما من المرسلين أحد إلا له مقام معلوم يوم القيامة على قدر عمله ، من قوله تعالى : (عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً).
ثم ذكر أعمالهم ، وأنهم المصطفون في الصلاة المنزهون الله عن ما يقول أهل الضلال. والضمير في (لَيَقُولُونَ) لكفار قريش ، (لَوْ أَنَّ عِنْدَنا ذِكْراً) : أي كتابا من كتب الأولين الذين نزل عليهم التوراة والإنجيل ، لأخلصنا العبادة لله ، ولم نكذب كما كذبوا. (فَكَفَرُوا بِهِ) : أي فجاءهم الذكر الذي كانوا يتمنونه ، وهو أشرف الأذكار ، لإعجازه من بين الكتب. (فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) عاقبة كفرهم ، وما يحل بهم من الانتقام. وأكدوا قولهم