ولما حكى تعالى عنهم كيفية ثنائهم عليه ، وأخبر باستغفارهم ، وهو قولهم : (فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ). وطلب المغفرة نتيجة الرحمة ، وللذين تابوا يتضمن أنك علمت توبتهم ، فهما راجعان إلى قوله : (رَحْمَةً وَعِلْماً) ، و (اتَّبَعُوا سَبِيلَكَ) ، وهي سبيل الحق التي نهجتها لعبادك ، (إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ) : الذي لا تغالب ، (الْحَكِيمُ) : الذي يضع الأشياء مواضعها التي تليق بها. ولما طلب الغفران يتضمن إسقاط العذاب ، أردفوه بالتضرع بوقايتهم العذاب على سبيل المبالغة والتأكيد ، فقالوا : (وَقِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ) ، وطلب المغفرة ، ووقاية العذاب للتائب الصالح ، وقد وعد بذلك الوعد الصادق بمنزلة الشفاعة في زيادة الثواب والكرامة.
ولما سألوا إزالة العقاب ، سألوا اتصال الثواب ، وكرر الدعاء بربنا فقالوا : (رَبَّنا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ). وقرأ الجمهور : جنات جمعا ؛ وزيد بن علي ، والأعمش : جنة عدن بالإفراد ، وكذا في مصحف عبد الله ، وتقدم الكلام في إعراب التي في قوله : (جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمنُ عِبادَهُ بِالْغَيْبِ) (١) في سورة مريم. وقرأ ابن أبي عبلة : صلح بضم اللام ، يقال : صلح فهو صليح وصلح فهو صالح. وقرأ عيسى : وذريتهم ، بالإفراد ؛ والجمهور بالجمع. وعن ابن جبير في تفسير ذلك أن الرجل يدخل الجنة قبل قرابته فيقول : أين أبي؟ أين أمي؟ أين ابني؟ أين زوجتي؟ فيلحقون به لصلاحه ولتنبيهه عليه وطلبه إياهم ، وهذه دعوة الملائكة. انتهى. وإذا كان الإنسان في خير ، ومعه عشيرته وأهله ، كان أبهج عنده وأسر لقلبه. والظاهر عطف ومن على الضمير في وأدخلهم ، إذ هم المحدث عنهم والمسئول لهم. وقال الفراء ، والزجاج : نصبه من مكانين : إن شئت على الضمير في (وَأَدْخِلْهُمْ) ، وإن شئت على الضمير في (وَعَدْتَهُمْ).
(وَقِهِمُ السَّيِّئاتِ) : أي امنعهم من الوقوع فيها حتى لا يترتب عليها جزاؤها ، أو وقهم جزاء السيئات التي اجترحوها ، فحذف المضاف ولا تكرار في هذا ، وقوله : (وَقِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ) لعدم توافق المدعو لهم أن الدعاء الأول للذين تابوا ، والثاني أنه لهم ولمن صلح من المذكورين ، أو لاختلاف الدعاءين إذا أريد بالسيئات أنفسها ، فذلك وقاية عذاب الجحيم ، وهذا وقاية الوقوع في السيئات. والتنوين في يومئذ تنوين العوض ، والمحذوف جملة عوض منها التنوين ، ولم تتقدم جملة يكون التنوين عوضا منها ، كقوله :
__________________
(١) سورة مريم : ١٩ / ٦١.