(فَلَوْ لا إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ) (١) ، (وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ) (٢) أي حين إذ بلغت الحلقوم ، فلا بد من تقدير جملة يكون التنوين عوضا منها كقوله ، يدل عليها معنى الكلام ، وهي (وَمَنْ تَقِ السَّيِّئاتِ) : أي جزاءها يوم إذ يؤاخذ بها (فَقَدْ رَحِمْتَهُ). ولم يتعرض أحد من المفسرين الذين وقفنا على كلامهم في الآية للجملة التي عوض منها التنوين في يومئذ ، وذلك إشارة إلى الغفران. ودخول الجنة ووقاية العذاب هو الفوز بالظفر العظيم الذي عظم خطره وجل صنعه.
ولما ذكر شيئا من أحوال المؤمنين ، ذكر شيئا من أحوال الكافرين ، وما يجري لهم في الآخرة من اعترافهم بذنوبهم واستحقاقهم العذاب وسؤالهم الرجوع إلى الدنيا. ونداؤهم ، قال السدي : في النار. وقال قتادة : يوم القيامة ، والمنادون لهم الزبانية على جهة التوبيخ والتقريع. واللام في (لَمَقْتُ) لام الابتداء ولام القسم ، ومقت مصدر مضاف إلى الفاعل ، التقدير : لمقت الله إياكم ، أو لمقت الله أنفسكم ، وحذف المفعول لدلالة ما بعده عليه في قوله : (أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ). والظاهر أن مقت الله إياهم هو في الدنيا ، ويضعف أن يكون في الآخرة ، كما قال بعضهم لبقاء (إِذْ تُدْعَوْنَ) ، مفلتا من الكلام ، لكونه ليس له عامل تقدم ، ولا مفسر لعامل. فإذا كان المقت السابق في الدنيا ، أمكن أن يضمر له عامل تقديره : مقتكم إذ تدعون. وقال الزمخشري : وإذ تدعون منصوب بالمقت الأول ، والمعنى : أنه يقال لهم يوم القيامة : إن الله مقت أنفسكم الأمارة بالسوء والكفر حين كان الأنبياء يدعونكم إلى الإيمان ، فتأبون قبوله وتختارون عليه الكفر ، أشد مما تمقتونهن اليوم وأنتم في النار ، إذ أوقعتكم فيها بأتباعكم هواهن. انتهى ، وفيه دسيسة الاعتزال. وأخطأ في قوله : (إِذْ تُدْعَوْنَ) منصوب بالمقت الأول ، لأن المقت مصدر ، ومعموله من صلته ، ولا يجوز أن يخبر عنه إلا بعد استيفائه صلته ، وقد أخبر عنه بقوله : (أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ) ، وهذا من ظواهر علم النحو التي لا تكاد تخفى على المبتدئين ، فضلا عما تدعي العجم أنه في العربية شيخ العرب والعجم.
ولما كان الفصل بين المصدر ومعموله بالخبر ، لا يجوز قدرنا العامل فيه مضمر ، أي مقتكم إذ تدعون ، وشبيهه قوله تعالى : (إِنَّهُ عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ) (٣). قدروا العامل برجعه (يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ) للفصل ب (لَقادِرٌ) بين المصدر ويوم. واختلاف زماني
__________________
(١) سورة الواقعة : ٥٦ / ٨٣.
(٢) سورة الواقعة : ٥٦ / ٨٤.
(٣) سورة الطارق : ٨٦ / ٨ ـ ٩.