بمعنى : غير ، على أن ما في ما تعبدون نكرة موصوفة تقديره : إنني براء من آلهة تعبدونها غير الذي فطرني ، فهو نظير قوله : (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا) (١). انتهى. ووجه البدل لا يجوز ، لأنه إنما يكون في غير الموجب من النفي والنهي والاستفهام. ألا ترى أنه يصلح ما بعد إلا لتفريغ العامل له؟ وإنني بريء ، جملة موجبة ، فلا يصلح أن يفرغ العامل فيها للذي هو بريء لما بعد إلا. وعن الزمخشري : كون بريء ، فيه معنى الانتفاء ، ومع ذلك فهو موجب لا يجوز أن يفرغ لما بعد إلا. وأما تقديره ما نكرة موصوفة ، فلم يبقها موصولة ، لاعتقاده أن إلا لا تكون صفة إلا لنكرة. وهذه المسألة فيها خلاف. من النحويين من قال : توصف بها النكرة والمعرفة ، فعلى هذا تبقى ما موصولة ، ويكون إلا في موضع الصفة للمعرفة ، وجعله فطرني في صلة الذي. تنبيه على أنه لا يعبد ولا يستحق العبادة إلا الخالق للعباد.
(فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ) : أي يديم هدايتي ، وفي مكان آخر : (الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ) (٢) ، فهو هاديه في المستقبل. والحال والضمير في جعلها المرفوع عائد على إبراهيم ، وقيل على الله. والضمير المنصوب عائد على كلمة التوحيد التي تكلم بها ، وهي قوله : (إِنَّنِي بَراءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي). وقال قتادة ومجاهد والسدي : لا إله إلا الله ، وإن لم يجر لها ذكر ، لأن اللفظ يتضمنها. وقال ابن زيد : كلمة الإسلام لقوله : (وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ) (٣) ، (إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قالَ أَسْلَمْتُ) (٤) ، (هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ) (٥). وقرأ حميد بن قيس : كلمة ، بكسر الكاف وسكون اللام. وقرىء : في عقبه ، بسكون القاف ، أي في ذريته. وقرىء : في عاقبه ، أي من عقبه ، أي خلفه. فلا يزال فيهم من يوحد الله ويدعو إلى توحيده. لعلهم : أي لعل من أشرك منهم يرجع بدعاء من وحد منهم. وقرأ الجمهور : بل متعت ، بتاء المتكلم ، والإشارة بهؤلاء لقريش ومن كان من عقب إبراهيم عليهالسلام من العرب. لما قال : (فِي عَقِبِهِ) ، قال تعالى : لكن متعت هؤلاء وأنعمت عليهم في كفرهم ، فليسوا ممن تعقب كلمة التوحيد فيهم. وقرأ قتادة والأعمش : بل متعت ، بتاء الخطاب ، ورواها يعقوب عن نافع. قال صاحب اللوامح : وهي من مناجاة إبراهيم عليهالسلام ربه تعالى. والظاهر أنه من مناجاة محمد صلىاللهعليهوسلم ، أي :
__________________
(١) سورة الأنبياء : ٢١ / ٢٢.
(٢) سورة الشعراء : ٢٦ / ٧٨.
(٣) سورة البقرة : ٢ / ١٢٨.
(٤) سورة البقرة : ٢ / ١٣١.
(٥) سورة الحج : ٢٢ / ٧٨.