إلى (مُؤْمِنُونَ) في موضع نصب بفعل القول محذوفا ، وهو في موضع الحال ، أي يقولون. ويجوز أن يكون إخبارا من الله ، كأنه تعجب منه ، كما قال في قصة الذبيح : (إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ) (١).
(إِنَّا مُؤْمِنُونَ) : وعد بالإيمان إن كشف عنهم العذاب ، والإيمان واجب ، كشف العذاب أو لم يكشف. (أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرى) : أي كيف يذكرون ويتعظون ويقولون بما وعدوه من الإيمان عند كشف العذاب ، وقد جاءهم ما هو أعظم؟ وأدخل في باب الادكار من كشف الدخان؟ وهو ما ظهر على يد رسول الله صلىاللهعليهوسلم من الآيات والبينات ، من الكتاب المعجز وغيره من المعجزات ، فلم يذكروا ، وتولوا عنه وبهتوه بأن عدّاسا غلاما أعجميا لبعض ثقيف هو الذي علمه ، ونسبوه إلى الجنون. وقرأ زر بن حبيش : معلم ، بكسر اللام. (إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ قَلِيلاً) : إخبار عن إقامة الحجة عليهم ، ومبالغة في الإملاء لهم. ثم أخبر أنهم عائدون إلى الكفر. وقال قتادة : هو توعد بمعاد الآخرة : وإن كان الخطاب لقريش حين حل بهم الجدب ، كان ظاهرا ؛ وإن كان الدخان قبل يوم القيامة ، فإذا أتت السماء بالعذاب ، تضرع منافقوهم وكافروهم وقالوا : ربنا اكشف عنا العذاب ، إنا مؤمنون. فيكشف عنهم ، قيل : بعد أربعين يوما ؛ فحين يكشفه عنهم يرتدون. ويوم البطشة الكبرى على هذا : هو يوم القيامة ، كقوله : (فَإِذا جاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرى) (٢). وكونه يوم القيامة ، هو قول ابن عباس والحسن وقتادة. وكونه يوم بدر ، هو قول عبد الله وأبي وابن عباس ومجاهد. وانتصب يوم نبطش ، قيل : بذكراهم ، وقيل : بننتقم الدال عليه منتقمون ، وضعف بأنه لا نصب إلا بالفعل ، وقيل : بمنتقمون. ورد بأن ما بعد إن لا يعمل فيما قبلها. وقرأ الجمهور : نبطش ، بفتح النون وكسر الطاء ؛ والحسن ، وأبو جعفر : بضمها ؛ والحسن أيضا ، وأبو رجاء ، وطلحة : بضم النون وكسر الطاء ، بمعنى : نسلط عليهم من يبطش بهم. والبطشة على هذه القراءة ليس منصوبا بنبطش ، بل بمقدر ، أي نبطش ذلك المسلط البطشة ، أو يكون البطشة في معنى الإبطاشة ، فينتصب بنبطش.
(وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ) : هذا كالمثال لقريش ، ذكرت قصة من أرسل إليهم موسى عليهالسلام ، فكذبوه ، فأهلكهم الله. وقرىء : فتنا ، بتشديد التاء ، للمبالغة في الفعل ، أو التكثير ، متعلقة (وَجاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ) : أي كريم عند الله وعند المؤمنين ، قاله الفراء ؛ أو كريم في نفسه ، لأن الأنبياء إنما يبعثون من سروات الناس ، قاله أبو
__________________
(١) سورة الصافات : ٣٧ / ١٠٦.
(٢) سورة النازعات : ٧٩ / ٣٤.