نُوراً فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ ، يُنادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قالُوا بَلى وَلكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمانِيُّ حَتَّى جاءَ أَمْرُ اللهِ وَغَرَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ ، فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ).
العامل في يوم ما عمل في لهم ؛ التقدير : ومستقر له أجر كريم يوم ترى ، أو اذكر يوم ترى إعظاما لذلك اليوم. والرؤية هنا رؤية عين ، والنور حقيقة ، وهو قول الجمهور ، وروي في ذلك عن ابن عباس وغيره آثار ، وأن كل مظهر من الإيمان له نور ، فيطفىء نور المنافق ، ويبقى نور المؤمن ، وهم متفاوتون في النور. منهم من يضيء ، كما بين مكة وصنعاء ، ومن نوره كالنخلة السحوق ، ومن يضيء له ما قرب قدميه. ومنهم من يهم بالانطفاء مرة ويبين مرة ، وذلك على قدر الأعمال. وقال الضحاك : النور استعارة عن الهدى والرضوان الذي هم فيه. والظاهر أن النور يتقدم لهم بين أيديهم ، ويكون أيضا بأيمانهم ، فيظهر أنهما نوران : نور ساع بين أيديهم ، ونور بأيمانهم ؛ فذلك يضيء الجهة التي يؤمونها ، وهذا يضيء ما حواليهم من الجهات. وقال الجمهور : النور أصله بأيمانهم ، والذي بين أيديهم هو الضوء المنبسط من ذلك النور. وقيل : الباء بمعنى عن ، أي عن أيمانهم ، والمعنى : في جميع جهاتهم. وعبر عن ذلك بالأيمان تشريفا لها. وقال الزمخشري : وإنما قال (بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ) ، لأن السعداء يؤتون صحائف أعمالهم من هاتين الجهتين ، كما أن الأشقياء يؤتونها من شمائلهم ووراء ظهورهم. وقرأ الجمهور : (وَبِأَيْمانِهِمْ) ، جمع يمين ؛ وسهل بن شعيب السهمي ، وأبو حيوة : بكسر الهمزة ، وعطف هذا المصدر على الظرف لأن الظرف متعلق بمحذوف ، أي كائنا بين أيديهم ، وكائنا بسبب أيمانهم.
(بُشْراكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ) : جملة معمولة لقول محذوف ، أي تقول لهم الملائكة : الذين يتلقونهم جنات ، أي دخول جنات. قال ابن عطية : (خالِدِينَ فِيها) ، إلى آخر الآية ، مخاطبة لمحمد صلىاللهعليهوسلم. انتهى. ولا مخاطبة هنا ، بل هذا من باب الالتفات من ضمير الخطاب في (بُشْراكُمُ) إلى ضمير الغيبة في (خالِدِينَ). ولو جرى على الخطاب ، لكان التركيب خالدا أنتم فيها ، والالتفات من فنون البيان (يَوْمَ يَقُولُ) بدل من (يَوْمَ تَرَى). وقيل : معمول لا ذكر. قال ابن عطية : ويظهر لي أن العامل فيه (ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) ، ومجيء معنى الفوز أفخم ، كأنه يقول : إن المؤمنين يفوزون بالرحمة يوم يعتري المنافقين كذا وكذا ، لأن ظهور المرء يوم خمول عدوه ومضاده أبدع وأفخم. انتهى. فظاهر كلامه