فأعربت هو مبتدأ ، لم يجز حذفه ، لأن ما بعده من قولك الفاضل صالح أن يكون خبرا لأن ، فلا يبقى دليل على حذف هو الرابط. ونظيره : (الَّذِينَ هُمْ يُراؤُنَ) (١) ، لا يجوز حذف هم ، لأن ما بعده يصلح أن يكون صلة ، فلا يبقى دليل على المحذوف. وما ذهب إليه أبو علي ليس بشيء ، لأنه بنى ذلك على توافق القراءتين وتركيب إحداهما على الأخرى ، وليس كذلك. ألا ترى أنه يكون قراءتان في لفظ واحد ، ولكل منهما توجيه يخالف الآخر ، كقراءة من قرأ : (وَاللهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ) (٢) بضم التاء ، والقراءة الأخرى : (بِما وَضَعَتْ) بتاء التأنيث؟ فضم التاء يقتضي أن الجملة من كلام أم مريم ، وتاء التأنيث تقتضي أنها من كلام الله تعالى ، وهذا كثير في القراءات المتواترة. فكذلك هذا يجوز أن يكون هو مبتدأ في قراءة من أثبته ، وإن كان لم يرد في القراءة الأخرى ، ولكل من التركيبين في الإعراب حكم يخصه.
(لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ) : الظاهر أن الرسل هنا هم من بني آدم ، والبينات : الحجج والمعجزات. (وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ) : الكتاب اسم جنس ، ومعهم حال مقدرة ، أي وأنزلنا الكتاب صائرا معهم ، أي مقدرا صحبته لهم ، لأن الرسل منزلين هم والكتاب. ولما أشكل لفظ معهم على الزمخشري ، فسر الرسل بغير ما فسرناه ، فقال : (لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا) ، يعنى : الملائكة ، إلى الأنبياء بالحجج والمعجزات ، (وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ) : أي الوحي ، (وَالْمِيزانَ). وروي أن جبريل عليهالسلام نزل بالميزان ، فدفعه إلى نوح وقال : مر قومك يزنوا به. (وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ) ، قيل : نزل آدم من الجنة ومعه خمسة أشياء من حديد السندان والكلبتان والميقعة والمطرقة والإبرة. وروي : ومعه المسن والمسحاة. وعن النبي صلىاللهعليهوسلم أن الله تعالى أنزل أربع بركات من السماء إلى الأرض ، أنزل الحديد والنار والماء والملح. انتهى. وأكثر المتأولين على أن المراد بالميزان : العدل ، فقال ابن زيد وغيره : أراد بالموازين : المعرفة بين الناس ، وهذا جزء من العدل. (لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ) : الظاهر أنه علة لإنزال الميزان فقط ، ويجوز أن يكون علة لإنزال الكتاب والميزان معا ، لأن القسط هو العدل في جميع الأشياء من سائر التكاليف ، فإنه لا جور في شيء منها ، ولذلك جاء : (شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ) (٣).
__________________
(١) سورة الماعون : ١٠٧ / ٦.
(٢) سورة آل عمران : ٣ / ٣٦.
(٣) سورة آل عمران : ٣ / ١٨.