آتاكُمْ) : أن يفرح الفرح المؤدي إلى البطر المنهي عنه في قوله تعالى : (لا تَفْرَحْ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ) (١) ، فإن الحزن قد ينشأ عنه البطر ، ولذلك ختم بقوله : (وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ). فالفرح بما ناله من حطام الدنيا يلحقه في نفسه الخيلاء والافتخار والتكبر على الناس ، فمثل هذا هو المنهي عنه. وأما الحزن على ما فات من طاعة الله ، والفرح بنعم الله والشكر عليها والتواضع ، فهو مندوب إليه.
وقال ابن عباس : ليس أحد إلا يحزن ويفرح ، ولكن من أصابته مصيبة فجعلها صبرا ، ومن أصاب خيرا جعله شكرا. انتهى ، يعني هو المحمود. وقال الزمخشري : فإن قلت : فلا أحد يملك نفسه عند مضرة تنزل به ، ولا عند منفعة ينالها أن لا يحزن ولا يفرح. قلت : المراد : الحزن المخرج إلى ما يذهل صاحبه عن الصبر ، والتسليم لأمر الله تعالى ، ورجاء ثواب الصابرين ، والفرح المطغي الملهي عن الشكر. فأما الحزن الذي لا يكاد الإنسان يخلو منه مع الاستسلام والسرور بنعمة الله والاعتداد بها مع الشكر ، فلا بأس به. انتهى. وقرأ الجمهور : بما آتاكم : أي أعطاكم ؛ وعبد الله : أوتيتم ، مبنيا للمفعول : أي أعطيتم ؛ وأبو عمرو : أتاكم : أي جاءكم.
(الَّذِينَ يَبْخَلُونَ) : أي هم الذين يبخلون ، أو يكون الذين مبتدأ محذوف الخبر على جهة الإبهام تقديره : مذمومون ، أو موعودون بالعذاب ، أو مستغنى عنهم ، أو على إضمار ، أعني فهو في موضع نصب ، أو في موضع نصب صفة لكل مختال ، وإن كان نكرة ، فهو مخصص نوعا ما ، فيسوغ لذلك وصفه بالمعرفة. قال ابن عطية : هذا مذهب الأخفش. انتهى.
عظمت الدنيا في أعينهم ، فبخلوا أن يؤدوا منها حقوق الله تعالى ، وما كفاهم ذلك حتى أمروا الناس بالبخل ورغبوهم في الإمساك ، والظاهر أنهم أمروا الناس حقيقة. وقيل : كانوا قدوة فيه ، فكأنهم يأمرون به. (وَمَنْ يَتَوَلَ) عن ما أمر الله به. وقرأ الجمهور : (فَإِنَّ اللهَ هُوَ) ؛ وقرأ نافع وابن عامر : بإسقاط هو ، وكذا في مصاحف المدينة والشام ، وكلتا القراءتين متواترة. فمن أثبت هو ، فقال أبو علي الفارسي : يحسن أن يكون فصلا ، قال : ولا يحسن أن يكون ابتداء ، لأن حذف الابتداء غير سائغ. انتهى. يعني أنه في القراءة الأخرى حذف ، ولو كان مبتدأ لم يجز حذفه ، لأنك إذا قلت : إن زيدا هو الفاضل ،
__________________
(١) سورة القصص : ٢٨ / ٧٦.