عبد الله : كونوا في أول صف في القتال. وقال أنس : اشهدوا تكبيرة الإحرام مع الإمام. وقال علي : كن أول داخل في المسجد وآخر خارج. واستدل بهذا السبق على أن أول أوقات الصلوات أفضل ، وجاء لفظ سابقوا كأنهم في مضمار يجرون إلى غاية مسابقين إليهم. (عَرْضُها) : أي مساحتها في السعة ، كما قال : فذو دعاء عريض ، أو العرض خلاف الطول. فإذا وصف العرض بالبسطة ، عرف أن الطول أبسط وأمد. (أُعِدَّتْ) : يدل على أنها مخلوقة ، وتكرر ذلك في القرآن يقوي ذلك ، والسنة ناصة على ذلك ، وذلك يرد على المعتزلة في قولهم : إنها الآن غير مخلوقة وستخلق. (ذلِكَ) : أي الموعود من المغفرة والجنة ، (فَضْلُ اللهِ) : عطاؤه ، (يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ) : وهم المؤمنون.
(ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ) : أي مصيبة ، وذكر فعلها ، وهو جائز التذكير والتأنيث ، ومن التأنيث (ما تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَها) (١). ولفظ مصيبة يدل على الشر ، لأن عرفها ذلك. قال ابن عباس ما معناه : أنه أراد عرف المصيبة ، وهو استعمالها في الشر ، وخصصها بالذكر لأنها أهم على البشر. والمصيبة في الأرض مثل القحط والزلزلة وعاهة الزرع ، وفي الأنفس : الأسقام والموت. وقيل : المراد بالمصيبة الحوادث كلها من خير وشر ، (إِلَّا فِي كِتابٍ) : هو اللوح المحفوظ ، أي مكتوبة فيه ، (مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها) : أي نخلقها. برأ : خلق ، والضمير في نبرأها الظاهر أنه يعود على المصيبة ، لأنها هي المحدث عنها ، وذكر الأرض والأنفس هو على سبيل محل المصيبة. وقيل : يعود على الأرض. وقيل : على الأنفس ، قاله ابن عباس وقتادة وجماعة. وذكر المهدوي جواز عود الضمير على جميع ما ذكر. قال ابن عطية : وهي كلها معارف صحاح ، لأن الكتاب السابق أزليّ قبل هذه كلها. انتهى. (إِنَّ ذلِكَ) : أي يحصل كل ما ذكر في كتاب وتقديره ، (عَلَى اللهِ يَسِيرٌ) : أي سهل ، وإن كان عسيرا على العباد.
ثم بين تعالى الحكمة في إعلامنا بذلك الذي فعله من تقدير ذلك ، وسبق قضائه به فقال : (لِكَيْلا تَأْسَوْا) : أي تحزنوا ، (عَلى ما فاتَكُمْ) ، لأن العبد إن أعلم ذلك سلم ، وعلم أن ما فاته لم يكن ليصيبه ، وما أصابه لم يكن ليخطئه ، فلذلك لا يحزن على فائت ، لأنه ليس بصدد أن يفوته ، فهون عليه أمر حوادث الدنيا بذلك ، إذ قد وطن نفسه على هذه العقيدة. ويظهر أن المراد بقوله : (لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلى ما فاتَكُمْ) : أن يلحق الحزن الشديد على ما فات من الخير ، فيحدث عنه التسخط وعدم الرضا بالمقدور. (وَلا تَفْرَحُوا بِما
__________________
(١) سورة الحجر : ١٥ / ٥ ، وسورة المؤمنون : ٢٣ / ٤٣.