مخلوقة له. وهذا الإعراب الذي لهم ليس بجيد من جهة صناعة العربية ، لأن مثل هذا هو مما يجوز فيه الرفع بالابتداء ، ولا يجوز الابتداء هنا بقوله : (وَرَهْبانِيَّةً) ، لأنها نكرة لا مسوغ لها من المسوغات للابتداء بالنكرة.
وروي في ابتداعهم الرهبانية أنهم افترقوا ثلاث فرق : ففرقة قاتلت الملوك على الدين فغلبت وقتلت ؛ وفرقة قعدت في المدن يدعون إلى الدين ويبينونه ولم تقاتل ، فأخذها الملوك ينشرونهم بالمناشير فقتلوا ، وفرقة خرجت إلى الفيافي ، وبنت الصوامع والديارات ، وطلبت أن تسلم على أن تعتزل فتركت. والرهبانية : الفعلة المنسوبة إلى الرهبان ، وهو الخائف بني فعلان من رهب ، كالخشيان من خشي. وقرىء : ورهبانية بالضم. قال الزمخشري : كأنها نسبة إلى الرهبان ، وهو جمع راهب ، كراكب وركبان. انتهى. والأولى أن يكون منسوبا إلى رهبان وغير بضم الراء ، لأن النسب باب تغيير. ولو كان منسوبا إلى رهبان الجمع لرد إلى مفرده ، فكان يقال : راهبية ، إلا إن كان قد صار كالعلم ، فإنه ينسب إليه على لفظه كالأنصار. والظاهر أن (إِلَّا ابْتِغاءَ رِضْوانِ) الله استثناء متصل من ما هو مفعول من أجله ، وصار المعنى : أنه تعالى كتبها عليهم ابتغاء مرضاته ، وهذا قول مجاهد ، ويكون كتب بمعنى قضى. وقال قتادة وجماعة : المعنى : لم يفرضها عليهم ، ولكنهم فعلوا ذلك ابتغاء رضوان الله تعالى ، فالاستثناء على هذا منقطع ، أي لكن ابتدعوها لابتغاء رضوان الله تعالى. والظاهر أن الضمير في (رَعَوْها) عائد على ما عاد عليه في (ابْتَدَعُوها) ، وهو ضمير (الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ) ، أي لم يرعوها كما يجب على الناذر رعاية نذره ، لأنه عهد مع الله لا يحل نكثه. وقال نحوه ابن زيد ، قال : لم يدوموا على ذلك ، ولا وفوه حقه ، بل غيروا وبدلوا ، وعلى تقدير أن فيهم من رعى يكون المعنى : فما رعوها بأجمعهم. وقال ابن عباس وغيره : الضمير للملوك الذين حاربوهم وأجلوهم. وقال الضحاك وغيره : الضمير للأخلاف الذين جاءوا بعد المبتدعين لها. (فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا) : وهم أهل الرأفة والرحمة الذين اتبعوا عيسى عليهالسلام. (وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ) : وهم الذين لم يرعوها.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) : الظاهر أنه نداء لمن آمن من أمة محمد صلىاللهعليهوسلم ، فمعنى آمنوا : دوموا واثبتوا ، وهكذا المعنى في كل أمر يكون المأمور ملتبسا بما أمر به. (يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ) ، قال أبو موسى الأشعري : كفلين : ضعفين بلسان الحبشة. انتهى ، والمعنى : أنه يؤتكم مثل ما وعد من آمن من أهل الكتاب من الكفلين في قوله : (أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ