ذلك عائشة رضي الله تعالى عنها ، وقالت : أنا سألت رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن هذه الآيات ، فقال لي : «هو جبريل عليهالسلام فيها كلها». وقال الحسن : المعنى ما رأى من مقدورات الله تعالى وملكوته. وسأل أبو ذر رسول الله صلىاللهعليهوسلم : هل رأيت ربك؟ فقال : «نورانى أراه». وحديث عائشة قاطع لكل تأويل في اللفظ ، لأن قول غيرها إنما هو منتزع من ألفاظ القرآن ، وليست نصا في الرؤية بالبصر ، بلا ولا بغيره. وقرأ أبو رجاء وأبو جعفر وقتادة والجحدري وخالد بن الياس وهشام عن ابن عامر : ما كذب مشددا. وقال كعب الأحبار : إن الله قسم الرؤية والكلام بين محمد وموسى عليهما الصلاة والسلام ، فكلم موسى مرتين ، ورآه محمد صلىاللهعليهوسلم مرتين. وقالت عائشة رضي الله تعالى عنها : لقد وقف شعري من سماع هذا ، وقرأت : (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ) (١) ، وذهبت هي وابن مسعود وقتادة والجمهور إلى أن المرئي مرتين هو جبريل ، مرة في الأرض ، ومرة عند سدرة المنتهى.
وقرأ الجمهور : (أَفَتُمارُونَهُ) : أي أتجادلونه على شيء رآه ببصره وأبصره ، وعدى بعلى لما في الجدال من المغالبة ، وجاء يرى بصيغة المضارع ، وإن كانت الرؤية قد مضت ، إشارة إلى ما يمكن حدوثه بعد. وقرأ علي وعبد الله وابن عباس والجحدري ويعقوب وابن سعدان وحمزة والكسائي : بفتح التاء وسكون الميم ، مضارع مريت : أي جحدت ، يقال : مريته حقه ، إذا جحدته ، قال الشاعر :
لثن سخرت أخا صدق ومكرمة |
|
لقد مريت أخا ما كان يمريكا |
وعدى بعلى على معنى التضمين. وكانت قريش حين أخبرهم صلىاللهعليهوسلم بأمره في الإسراء ، كذبوا واستخفوا ، حتى وصف لهم بيت المقدس وأمر غيرهم ، وغير ذلك مما هو مستقصى في حديث الإسراء. وقرأ عبد الله فيما حكى ابن خالويه ، والشعبي فيما ذكر شعبة : بضم التاء وسكون الميم ، مضارع أمريت. قال أبو حاتم : وهو غلط. (وَلَقَدْ رَآهُ) : الضمير المنصوب عائد على جبريل عليهالسلام ، قال ابن مسعود وعائشة ومجاهد والربيع. (نَزْلَةً أُخْرى) : أي مرة أخرى ، أي نزل عليه جبريل عليهالسلام مرة أخرى في صورة نفسه ، فرآه عليها ، وذلك ليلة المعراج. وأخرى تقتضي نزلة سابقة ، وهي المفهومة من قوله : (ثُمَّ دَنا) جبريل ، (فَتَدَلَّى) : وهو الهبوط والنزول من علو. وقال ابن عباس وكعب الأحبار : الضمير عائد على الله ، على ما سبق من قولهما أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم
__________________
(١) سورة الأنعام : ٦ / ١٠٣.