الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ ، هُوَ اللهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ ، هُوَ اللهُ الْخالِقُ الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى يُسَبِّحُ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).
(كَمَثَلِ) : خبر مبتدأ محذوف ، أي مثلهم ، أي بني النضير (كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِيباً) : وهم بنو قينقاع ، أجلاهم الرسول صلىاللهعليهوسلم من المدينة قبل بني النضير فكانوا مثلا لهم ، قاله ابن عباس ؛ أو أهل بدر الكفار ، فإنه عليه الصلاة والسلام قتلهم ، فهم مثلهم في أن غلبوا وقهروا. وقيل : الضمير في (مِنْ قَبْلِهِمْ) للمنافقين ، و (الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) : منافقو الأمم الماضية ، غلبوا ودلوا على وجه الدهر ، فهؤلاء مثلهم. ويبعد هذا التأويل لفظة (قَرِيباً) أن جعلته متعلقا بما قبله ، وقريبا ظرف زمان وإن جعلته معمولا لذاقوا ، أي ذاقوا وبال أمرهم قريبا من عصيانهم ، أي لم تتأخر عقوبتهم في الدنيا ، كما لم تتأخر عقوبة هؤلاء. (وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) في الآخرة.
(كَمَثَلِ الشَّيْطانِ) : لما مثلهم بمن قبلهم ، ذكر مثلهم مع المنافقين ، فالمنافقون كالشيطان ، وبنو النضير كالإنسان ، والجمهور : على أن الشيطان والإنسان اسما جنس يورطه في المعصية ثم يفر منه. كذلك أغوى المنافقون بني النضير ، وحرضوهم على الثبات ، ووعدوهم النصر. فلما نشب بنو النضير ، خذلهم المنافقون وتركوهم في أسوأ حال. وقيل : المراد استغواء الشيطان قريشا يوم بدر. وقوله لهم : (لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ) إلى قوله : (إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ) (١). وقيل : التمثيل بشيطان مخصوص مع عابد مخصوص استودع امرأة ، فوقع عليها فحملت ، فخشي الفضيحة ، فقتلها ودفنها. سول له الشيطان ذلك ، ثم شهره ، فاستخرجت فوجدت مقتولة ؛ وكان قال إنها ماتت ودفنتها ، فعلموا بذلك ، فتعرض له الشيطان وقال : اكفر واسجد لي وأنا أنجيك ، ففعل وتركه عند ذلك وقال : أنا بريء منك. وقول الشيطان : (إِنِّي أَخافُ اللهَ) رياء ، ولا يمنعه الخوف عن سوء يوقع ابن آدم فيه. وقرأ الجمهور : (عاقِبَتَهُما) بنصب التاء ؛ والحسن وعمرو بن عبيد وسليم بن أرقم : برفعهما. والجمهور : (خالِدَيْنِ) بالياء حالا ، و (فِي النَّارِ) خبر أن ؛ وعبد الله وزيد بن علي والأعمش وابن عبلة : بالألف ، فجاز أن يكون خبر أن ، والظرف ملغى وإن كان قد أكد بقوله : (فِيها) ، وذلك جائز على مذهب
__________________
(١) سورة الأنفال : ٨ / ٤٨.